صفحة جزء
ولما أخبروهم بالكتاب وبينوا أنه من عند الله وأنه أقرب موصل إليه، فكان قومهم جديرين بأن يقولوا: فما الذي ينبغي أن نفعل؟ أجابوهم بقوله: يا قومنا الذين لهم قوة العلم والعمل أجيبوا داعي الله أي: الملك الأعظم المحيط بصفات الجلال والجمال والكمال، فإن دعوة هذا الداعي عامة لجميع الخلق، فالإجابة واجبة على كل من بلغه أمره.

ولما كان المجيب قد يجيب في شيء دون شيء كما كان أبو طالب عم النبي صلى الله عليه وسلم، عطفوا في خطابهم لهم في الدعوة أن قالوا: وآمنوا به أي: أوقعوا التصديق بسبب الداعي لا بسبب آخر، فإن [ ص: 183 ] المفعول معه مفعول مع من أرسله وهو الله الذي جلت قدرته وآمنوه من كل تكذيب، أو الضمير للمضاف إليه [وهو الله] بدليل قولهم: يغفر لكم فإنه يستر ويسامح من ذنوبكم أي: الشرك وما شابهه مما هو حق لله تعالى أي وذلك الستر لا يكون إلا إذا حصل منكم الإجابة التامة والتصديق التام وأدخلوا ["من"] إعلاما بأن مظالم العباد لا تغفر إلا بإرضاء أهلها وكذا ما يجازى به صاحبه في الدنيا بالعقوبات والنكبات والهموم ونحوها مما أشار إليه قوله تعالى: وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير

ويجركم أي: يمنعكم "إذا أجبتم" منع الجار لجاره لكونكم بالتحيز إلى داعيه صرتم من حزبه من عذاب أليم واقتصارهم على المغفرة تذكير بذنوبهم لأن مقصودهم الإنذار لا ينافي صريح قوله في هذه [السورة] ولكل درجات مما عملوا في إثبات الثواب، ونقله أبو حيان عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: لهم ثواب وعليهم عقاب يلتقون في الجنة ويزدحمون على أبوابها.

التالي السابق


الخدمات العلمية