صفحة جزء
ولما ثبت البعث بما قام من الدلائل ذكر ببعض ما يحصل في يومه من الأهوال تحذيرا منه، فقال عاطفا على ما تقديره: اذكر لهم هذا [ ص: 188 ] القياس الناطق بالمراد وما مضى في هذه السورة من الزواجر ويوم أي: [و] اذكر يوم يعرض بأيسر أمر من أوامرنا الذين كفروا أي: ستروا بغفلتهم وتماديهم عليه هذه الأدلة الظاهرة على النار عرض الجند على الملك فيسمعوا من تغيظها وزفيرها ويروا من لهيبها واضطرامها وسعيرها ما لو قدر أن أحدا يموت من ذلك لماتوا من معاينته وهائل رؤيته.

ولما كان كأنه قيل: ماذا يصنع بهم في حال عرضهم؟ قيل: يقال على سبيل التبكيت والتقريع والتوبيخ: أليس هذا أي: الأمر العظيم الذي كنتم به توعدون ولرسلنا في أخبارهم تكذبون بالحق أي: الأمر الثابت الذي يطابقه الواقع، فلا قدرة لكم على صليه أمر هو خيال وسحر، فلا تبالون بوروده.

ولما اشتد تشوف السامع العالم بما كانوا يبدون من الشماخة والعتو إلى جوابهم، قال في جوابه مستأنفا:قالوا أي: مصدقين [ ص: 189 ] حيث لا ينفع التصديق: بلى [و] ما كفاهم البدار إلى تكذيب أنفسهم حتى أقسموا عليه لأن حالهم كان مباعدا للإقرار، وذكروا صفة الإحسان زيادة في الخضوع والإذعان وربنا أي: إنه لحق هو من أثبت الأشياء، وليس فيه شيء مما يقارب السحر، ثم استأنف جواب من سأل عن جوابه [لهم] بقوله تعالى: قال مبكتا لهم بيانا لذلهم موضع كبرهم الذي كان في الدنيا مسببا عن تصديقهم هذا الذي أوقعوه في غير موضعه وجعلوه في دار العمل التي مبناها على الإيمان بالغيب تكذيبا معبرا بما يفهم غاية الاستهانة لهم: فذوقوا العذاب أي: باشروه مباشرة الذائق باللسان، ثم صرح بالسبب فقال: بما كنتم أي: خلقا وخلقا مستمرا دائما أبدا تكفرون في دار العمل.

التالي السابق


الخدمات العلمية