1. الرئيسية
  2. نظم الدرر في تناسب الآيات والسور
  3. سورة المنافقون
  4. قوله تعالى وإذا قيل لهم تعالوا يستغفر لكم رسول الله لووا رءوسهم ورأيتهم يصدون وهم مستكبرون
صفحة جزء
ولما كان هذا أمرا عظيما قاطعا عن الله ورسوله فيحتاج فاعله حاجة شديدة إلى التطهير وهو جدير بعظمه أن لا يطهره غاية الطهر إلا سؤال النبي صلى الله عليه وسلم وكانوا لم يفعلوا ذلك، دل على سوء بواطنهم وغلظ أكبادهم وأنهم كالخشب المسندة في أنهم لا ثمرة لهم ولا زكاء أصلا بقوله: وإذا قيل لهم [أي] من أي قائل كان: تعالوا أي ارفعوا أنفسكم مجتهدين في ذلك بالمجيء إلى أشرف الخلق الذي لا يزال مكانه عاليا لعلو مكانته يستغفر لكم أي يطلب الغفران لأجلكم خاصة بعد أن تتولوا من ذنبكم من أجل هذا الكذب الذي أنتم مصرون عليه. ولما تقدم عاملان، أعمل الثاني منهما [ ص: 84 ] كما هو المختار من مذهب البصريين فرفع قوله: رسول الله أي أقرب الخلق إلى الملك الأعظم الذي لا شبيه لجوده لووا رءوسهم [أي فعلوا] اللي بغاية الشدة والكثرة، وهو الصرف إلى جهة أخرى إعراضا وعتوا وإظهارا للبغض والنفرة، وبالغوا فيه مبالغة تدل على أنهم مغلوبون عليه لشدة ما في بواطنهم من المرض ورأيتهم أي بعين البصيرة يصدون أي يعرضون إعراضا قبيحا عما دعوا إليه مجددين لذلك كلما دعوا إليه، والجملة في موضع المفعول الثاني لرأيت وهم مستكبرون أي ثابتو الكبر عما دعوا إليه وعن إحلال أنفسهم في محل الاعتذار، فهم لشدة غلظتهم لا يدركون قبح ما هم عليه ولا يهتدون إلى دوائه، وإذا أرشدهم غيرهم ونبههم لا ينبهون، فقد روي أنه لما نزل القرآن فيهم أتاهم عشائرهم من المؤمنين وقالوا: ويحكم افتضحتم وأهلكتم أنفسكم، فائتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وتولوا إليه واسألوه أن يستغفر لكم، فأبوا ذلك فأنزل الله هذه الآية، وروي [أن] ابن أبي رأسهم لوى رأسه وقال لهم: أشرتم علي بالإيمان فآمنت وأشرتم علي بأن أعطي زكاة مالي ففعلت، ولم يبق إلا [أن] تأمروني بالسجود لمحمد.

التالي السابق


الخدمات العلمية