صفحة جزء
ثم علل ذلك بما يكون مجموعه على وقوعه منهم من مدة طويلة وهم مستمرون عليه بقوله: ودوا أي أحبوا محبة عظيمة واسعة متجاوزة للحد قديما مع الاستمرار على ذلك وأكد تهالكهم على هذه الودادة بما يفهم التمني وإن ذلك مستمر منهم لا أنه وقع ومضى، فقال مشيرا إلى إفسادهم القوة النطقية وخلق الشجاعة الغريزية: لو تدهن أي تلاين فتوافق على بعض [ ص: 298 ] ما يريدون فتهادنهم على ترك نهيهم عن الشرك وترك التعرض لسب آلهتهم وتسفيه أحلامهم وتضليل آبائهم; قال ابن برجان : والأدهان ملاينة وانجرار بالباطل وإغماض عن الحق مع المعرفة بذلك - انتهى.

وهو من الدهن لأنه يلين ما يدهن به.

ولما كان من طبعهم أنهم كانوا يلينون له صلى الله عليه وسلم بعض الأوقات [ خداعا - ] كما قيل في سبب نزول "الكافرون" من أنهم قالوا له صلى الله عليه وسلم: تعالى فلنصطلح على أن نعبد إلهك سنة وتعبد آلهتنا سنة، ونحو هذا من الأباطيل حتى أنهم سجدوا وراءه صلى الله عليه وسلم لما تلا عليهم سورة النجم فسجد فيها فسجد وراءه الكفار والمؤمنون والجن والإنس حتى سمع المهاجرون إلى الحبشة وهم بالحبشة فرجع بعضهم [ ظنا - ] منهم أنهم قد أسلموا فوجدوهم على أخبث ما كانوا عليه أولا، قال سبحانه معرفا بأن ذلك منهم خداع: فيدهنون أي فبسبب ودادتهم أنك تدهن [ هم - ] يدهنون، فهو عطف على [ "ودوا" لا - ] جواب "لو" لأجل تنبيهه [ ص: 299 ] صلى الله عليه وسلم على أن لينهم إنما هو خداع لم يرد به غير الفساد، وقد أخروا الإدهان وإن كانوا قديما في وداده طمعا في أن تبدأ به فيظهروه حينئذ، قال القشيري: من أصبح عليلا تمنى أن يكون الناس كلهم مرضى.

التالي السابق


الخدمات العلمية