صفحة جزء
ولما كان عدم السؤال قد يكون لعدم رؤية بعضهم بعضا لكثرة الجمع وشدة الزحام وتفرق الناس فيه على حسب مراتب أعمالهم، استأنف الجواب لمن كأنه يقول: لعل ذلك يترك لعدم رؤيتهم لهم؟ فقال دالا بالمجهول والتفعيل على عظمة ذلك التبصير وخروجه عن العادة جامعا لأن المقصود من الحميم الجنس والجمع أدل على عموم التبصير، قال البغوي : وليس في القيامة مخلوق إلا وهو نصب عين صاحبه من الجن والإنس - انتهى، وكان حكمة ذلك أنه أدل على تقطع الأسباب فلا [ يسأل -] أحد منهم الآخر عن شيء من أمره لاشتغال كل بنفسه، فعدم السؤال لا للخفاء بل للاشتغال وهم كل إنسان بما عنده: يبصرونهم أي يبصرهم مبصر فلا يخفى أحد على أحد وإن بعد مكانه ويفر كل من الآخر لشغله بنفسه، ولما تناهى الإخبار بعظمة ذلك اليوم إلى حد لا تحتمله القلوب، ذكر نتيجة ذلك فقال مستأنفا: يود أي يتمنى ويشتهي المجرم أي هذا النوع سواء كان كافرا أو مسلما عاصيا علم أنه يعذب بعصيانه، وقيد به لأن المسلم الطائع [ ص: 396 ] يشفع فيمن أذن له فيه ولا يهمه شيء من ذلك، ودل على [ أن -] هذه الودادة مجرد تمن بقوله: لو يفتدي أي نفسه من عذاب يومئذ أي يوم إذ كانت [ هذه -] المخاوف بأعلق الناس بقلبه وأقربهم منه فضلا عن أن يسأل عن أحواله.

ولما كان السياق للافتداء، بدأ بأعزهم في ذلك بخلاف ما يأتي في عبس فقال: ببنيه لشدة ما يرى.

التالي السابق


الخدمات العلمية