صفحة جزء
ولما كان التقدير - كما أفهمه آخر الآية؛ وأشعر به أولها؛ بعد أن جمع الخلق على طاعته؛ بالطريق الذي ذكره -: "فمن أبى ذلك؛ فليس بمؤمن"؛ دل عليه بقوله - معجبا؛ مخاطبا لأكمل الخلق؛ الذي عرفه الله المنافقين في لحن القول -: ألم تر ؛ وأشار إلى بعدهم عن علي حضرته؛ بقوله: إلى الذين ؛ وإلى كذبهم؛ ودوام نفاقهم؛ بقوله: يزعمون أنهم آمنوا ؛ أي: أوجدوا هذه الحقيقة وأوقعوها في أنفسهم؛ بما أنـزل إليك ؛ ودل على أن هذا الزاعم المنافق كان من أهل الكتاب؛ قبل ادعاء الإسلام؛ بقوله: وما ؛ أي: ويزعمون أنهم آمنوا بما أنـزل من قبلك ؛ أي: من التوراة؛ والإنجيل؛ قال الأصبهاني: ولا يستعمل - ؛ أي: الزعم - في الأكثر - [ ص: 313 ] إلا في القول الذي لا يتحقق؛ يقال: "زعم فلان"؛ إذا شك فيه؛ فلم يعرف كذبه أو صدقه؛ والمراد أن هؤلاء قالوا قولا هو عند من لا يعلم البواطن أهل لأن يشك فيه؛ بدليل أنهم؛ يريدون أن يتحاكموا ؛ أي: هم وغرماؤكم؛ إلى الطاغوت ؛ أي: إلى الباطل المعرق في البطلان؛ وقد ؛ أي: والحال أنهم قد أمروا ؛ ممن له الأمر؛ أن يكفروا به ؛ في كل ما أنزل من كتابك؛ وما قبله؛ ومتى تحاكموا إليه كانوا مؤمنين به؛ كافرين بالله؛ وهو معنى قوله: ويريد الشيطان ؛ بإرادتهم ذلك التحاكم؛ أن يضلهم ؛ أي: بالتحاكم إليه؛ ضلالا بعيدا ؛ بحيث لا يمكنهم معه الرجوع إلى الهدى؛ وهذه الآية سبب تسمية عمر - رضي الله عنه - بـ "الفاروق"؛ لضربه عنق منافق لم يرض بحكم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؛ في قصة ذكرها الثعلبي؛ من رواية الكلبي؛ عن أبي صالح؛ عن ابن عباس - رضي الله عنهما.

التالي السابق


الخدمات العلمية