صفحة جزء
ولما رغب في العمل بمواعظه؛ وكان الوعد قد يكون لغلظ في الموعوظ؛ وكان ما قدمه في وعظه أمرا مجملا; رغب بعد ترقيقه بالوعظ في مطلق الطاعة؛ التي المقام كله لها؛ مفصلا إجمال ما وعد [ ص: 320 ] عليها؛ فقال: ومن يطع الله ؛ أي: في امتثال أوامره؛ والوقوف عند زواجره؛ مستحضرا عظمته؛ طاعة هي على سبيل التجدد؛ والاستمرار؛ والرسول ؛ أي: في كل ما أراده؛ فإن منصب الرسالة يقتضي ذلك؛ لا سيما من بلغ نهايتها؛ فأولئك ؛ أي: العالو الرتبة؛ العظيمو الشرف؛ مع الذين أنعم ؛ أي: بما له من صفات الجلال؛ والجمال؛ عليهم ؛ أي: معدود من حزبهم؛ فهو بحيث إذا أراد زيارتهم أو رؤيتهم وصل إليها بسهولة؛ لا أنه يلزم أن يكون في درجاتهم؛ وإن كانت أعماله قاصرة؛ ثم بينهم بقوله: من النبيين ؛ أي: الذين أنبأهم الله بدقائق الحكم؛ وأنبؤوا الناس بحلائل الكلم؛ بما لهم من طهارة الشيم؛ والعلو؛ والعظم؛ والصديقين ؛ أي: الذين صدقوا أول الناس ما أتاهم عن الله؛ وصدقوا هم في أقوالهم؛ وأفعالهم؛ فكانوا قدوة لمن بعدهم؛ والشهداء ؛ أي: الذين لم يغيبوا أصلا عن حضرات القدس؛ ومواطن الأنس طرفة عين؛ بل هم مع الناس بجسومهم؛ ومع الله - سبحانه وتعالى - بحلومهم؛ وعلومهم؛ سواء شهدوا لدين الله بالحق؛ ولسواه بالبطلان؛ بالحجة؛ أو بالسيف؛ ثم قتلوا في سبيل الله؛ والصالحين ؛ أي: الذين لا يعتريهم في ظاهر ولا باطن - بحول الله - فساد أصلا؛ وإلى [ ص: 321 ] هذا يشير كلام العارف الشيخ رسلان؛ حيث قال: ما صلحت ما دامت فيك بقية لسواه؛ وقد تجتمع الصفات الأربع في شخص؛ وقد لا تجتمع؛ وأبو بكر - رضي الله (تعالى) عنه - أحق الأمة بالصديقية؛ وإن قلنا: إن عليا؛ وزيدا - رضي الله (تعالى) عنهما - أسلما قبله؛ لأنه - لكبره؛ وكونه لم يكن قبل الإسلام تابعا للنبي - صلى الله عليه وسلم - كان قدوة لغيره؛ ولذلك كان سببا لإسلام ناس كثير؛ وأولئك كانوا سببا لإسلام غيرهم؛ فكان له مثل أجر الكل؛ وكان فيه - حين إسلامه - قوة الجهاد في الله - سبحانه وتعالى - بالمدافعة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وغير ذلك من الأفعال الدالة على صدقه؛ ولملاحظة هذه الأمور كانت رتبتها تلي رتبة النبوة؛ ولرفع الواسطة بينهما؛ وفق الله - سبحانه وتعالى - هذه الأمة التي اختارها؛ بتولية الصديق - رضي الله (تعالى) عنه - بعد نبيهم - صلى الله عليه وسلم - ودفنه إلى جانبه؛ ومن عظيم رتبتهم تنويه النبي - صلى الله عليه وسلم - في آخر عمره بهم؛ فقال: "مع الرفيق الأعلى"؛ روى البخاري؛ في التفسير؛ عن عائشة - رضي الله (تعالى) عنها - قالت: سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم – يقول: "ما من نبي يمرض إلا خير بين الدنيا [ ص: 322 ] والآخرة".

؛ وكان في شكواه الذي قبض فيه أخذته بحة شديدة؛ فسمعته يقول:
مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين ؛ فعلمت أنه خير.


ولما أخبر أن المطيع مع هؤلاء؛ لم يكتف بما أفهم ذكرهم من جلالهم؛ وجلال من معهم؛ بل زاد في بيان علو مقامهم؛ ومقام كل من معهم؛ بقوله: وحسن ؛ أي: وما أحسن؛ أولئك ؛ أي: العالو الأخلاق؛ السابقون يوم السباق؛ رفيقا ؛ من "الرفق"؛ وهو لغة: لين الجانب؛ ولطافة الفعل؛ وهو مما يستوي واحده؛ وجمعه؛

التالي السابق


الخدمات العلمية