صفحة جزء
ولما كان تركهم لليوم الثقيل على وجه التكذيب الذي هو أقبح الترك، وكان تكذيبهم لاعتقادهم عدم القدرة عليه قال دالا على الإعادة بالابتداء من باب الأولى: نحن خلقناهم ، بما لنا من العظمة لا غيرنا وشددنا أسرهم أي قوينا وأتقنا ربط مفاصلهم الظاهرة والباطنة بالأعصاب على وجه الإحكام بعد كونهم نطفة أمشاجا [ ص: 159 ] في غاية الضعف، وأصل الأسر، القد يشد به الأقتاب أو الربط والتوثيق، ولا شك أن من قدر على إنشاء شخص من نطفة قادر على أن يعيده كما كان [لأن -] جسده الذي أنشأه إن كان محفوظا فالأمر فيه واضح، وإن كان قد صار ترابا فإبداعه منه مثل إبداعه من النطفة، وأكثر ما فيه أن يكون كأبيه آدم عليه السلام بل هو أولى فإنه ترابه له أصل في الحياة [ بما كان حيا، وتراب آدم عليه السلام لم يكن له أصل قط في الحياة -] والإعادة أهون في مجاري عادات الخلق من الابتداء، [و -] لذلك قال معبرا بأداة التحقق: وإذا شئنا أي بما لنا من العظمة أن نبدل ما نشاء من صفاتهم أو ذواتهم بدلنا أمثالهم أي بعد الموت في الخلقة وشدة الأسر تبديلا أو المعنى: جئنا بأمثالهم بدلا منهم وخلائف لهم، أو يكون المراد - وهو أقعد - بالمثل الشخص أي بدلنا أشخاصهم لتصير بعد القوة إلى ضعف وبعد الطول إلى قصر وبعد البياض إلى سواد وغير ذلك من الصفات كما شوهد في بعض الأوقات في المسخ وغيره، وكل ذلك دال على تمام قدرتنا وشمول علمنا.

التالي السابق


الخدمات العلمية