صفحة جزء
ولما كان المنافقون هم المقصودين بالذات بهذه الآيات؛ وكان أكثرهم أهل أوثان; ناسب كل المناسبة قوله - معللا لأن الشرك ضلال -: إن ؛ أي: "ما"؛ يدعون ؛ وما أنسب التعبير لعباد الأوثان عن العبادة بالدعاء؛ إشارة إلى أن كل معبود لا يدعى في الضرورات فيسمع؛ فعابده أجهل الجهلة؛ ولما كان كل شيء دونه - سبحانه [ ص: 405 ] وتعالى -؛ لأنه تحت قهره; قال - محتقرا لما عبدوه -: من دونه ؛ أي: وهو الرحمن؛ ولما كانت معبوداتهم أوثانا متكثرة؛ وكل كثرة تلزمها الفرقة؛ والحاجة؛ والضعف؛ مع أنهم كانوا يسمون بعضها بأسماء الإناث؛ من اللات؛ والعزى؛ ويقولون في الكل: إنها بنات الله؛ ويقولون عن كل صنم: أنثى بني فلان; قال: إلا إناثا ؛ أي: فجعلوا أنفسهم للإناث عبادا؛ وهم يأنفون من أن يكن لهم أولادا؛ وفي التفسير من البخاري: "إناثا"؛ يعني الموات؛ حجرا؛ أو مدرا؛ أو ما أشبه ذلك; هذا مع أن مادة "أنث"؛ و"وثن"؛ يلزمها في نفسها الكثرة والرخاوة؛ والفرقة؛ وكل ذلك في غاية البعد عن رتبة الإلهية؛ وسيأتي إن شاء الله (تعالى) بسط ذلك في سورة "العنكبوت"؛ وأن هذا القصر قلب قصر؛ لاعتقادهم أنها آلهة؛ ومعنى الحصر: "ما هي إلا غير آلهة؛ لما لها من النقص؛ وإن يدعون ؛ أي: يعبدون في الحقيقة؛ إلا شيطانا ؛ أي: لأنه هو الآمر لهم بذلك؛ المزين لهم؛ مريدا ؛ أي: عاتيا؛ صلبا؛ عاصيا؛ ملازما للعصيان؛ مجردا من كل خير؛ محترقا بأفعال الشر؛ بعيدا من كل أمن؛ من: "شاط"؛ و"شطن"; و"مرد"؛ بفتح عينه؛ وضمها؛ وعبر بصيغة "فعيل"؛ التي هي للمبالغة؛ في سياق ذمهم؛ تنبيها على أنهم تعبدوا لما لا إلباس في شرارته؛ لأنه شر كله؛ بخلاف ما في سورة "الصافات"؛ فإن سياقه يقتضي [ ص: 406 ] عدم المبالغة - كما سيأتي إن شاء الله (تعالى);

التالي السابق


الخدمات العلمية