صفحة جزء
لقد خلقنا أي بما لنا من القدرة التامة والعظمة التي لا تضاهي الإنسان أي هذا النوع في كبد أي شدة شديدة ومشقة عظيمة محيطة به إحاطة الظرف بالمظروف، لو وكله سبحانه وتعالى في شيء منها إلى نفسه هلك، ولولا هذه البلايا لادعى ما لا يليق به من عظيم المزايا، وقد ادعى بعضهم مع ذلك الإلهية وبعضهم الاتحاد برب العباد - تعالى الله عن قولهم الواضح الفساد، بما قرنه به سبحانه وتعالى من الموت والمرض وسائر الأنكاد، فعل سبحانه ذلك [ليظهر] بما للعبد من الضعف والعجز - مع ما منحه به من القوى الظاهرة والباطنة في القول والفعل والبطش والعقل - ما له سبحانه من تمام العلم وشمول القدرة، وليظهر من خلقه له على هذه الصفة، علم جميع ما في السورة، فعلم قطعا إنكار ظنه [ ص: 51 ] لتناهي قدرته وتعالي عظمته، وفساد هذا الظن بشاهد العقل من حيث كونه مصنوعا، وبشاهد الوجود من أجل أنه يسلك طريق الشر ولا يقدر على طريق الخير إلا بالتوفيق، فعلم قطعا إعجاز السورة لأنه لا قدرة لمخلوق على أن يأتي بجملة واحدة تجمع جميع ما وراءها من الجمل - هذا إلى ما لها من فنون الإيجاز التي وصلت إلى حد الإعجاز، هذا إلى ما لبقية الجمل من الإعجاز في حسن الرصف وإحكام التركيب والربط والمراعاة بالألفاظ للمعاني إلى غير ذلك مما لا يبلغ كنهه إلى منزله سبحانه وعز شأنه، وعلم أن الإكرام والإهانة ليستا دائرتين على التنعيم في الدنيا والتضييق كما تقدم شرحه في سورة الفجر، ولأجل ما علم من كون الإنسان لا يزال في نكد وشدة ونصب من حث احتياجه أولا إلى مطلق الحركة والسكون، وثانيا إلى المأكل والمشرب، وثالثا إلى ما يترتب عليهما إلى غير ذلك [مما] يعيي عده ويجهل حده، توجه الإنكار في قوله تعالى بيانا للأسباب الموقعة له في النكد، وهي شهوتان: نفسية وحسية، والنفسية منحصرة في أربع: الأولى أنه يشتهي أن يكون كل من في الوجود في قبضته فأشار إليها

التالي السابق


الخدمات العلمية