صفحة جزء
ولما أخبر (تعالى) عما أعد لهم؛ ولمن أضلهم؛ من العقاب؛ وعما أعد للمؤمنين من الثواب؛ وكانوا يمنون أنفسهم الأماني الفارغة؛ من أنه لا تبعة عليهم في التلاعب بالدين؛ لا في الدنيا؛ ولا في الآخرة؛ ويشجعهم على ذلك أهل الكتاب؛ ويدعون أنهم أبناء الله وأحباؤه؛ لا يؤاخذهم بشيء؛ ولا يدخل الجنة إلا من كان هودا أو نصارى؛ أو من شفعوا فيه؛ ونحو هذه التكاذيب؛ مما يطمعون به من والاهم بأنهم ينجونه؛ وكان [ ص: 410 ] المشركون يقولون: نحن أكثر أموالا وأولادا وما نحن بمعذبين ؛ ونحو ذلك - كما قال العاصي بن وائل لخباب بن الأرت - وقد تقاضاه دينا كان له عليه -: دعني إلى تلك الدار فأقضيك مما لي فيها؛ فوالله لا تكون أنت وصاحبك فيها آثر عند الله مني؛ ولا أعظم حظا؛ فأنزل الله في ذلك: أفرأيت الذي كفر بآياتنا ؛ الآيات من آخر "مريم"؛ ويقول لهم أهل الكتاب: أنتم أهدى سبيلا؛ لما كان ذلك قال (تعالى) - رادا على الفريقين -: ليس ؛ أي: ما وعده الله؛ وأوعده؛ بأمانيكم ؛ أي: أيها العرب؛ ولا أماني أهل الكتاب ؛ أي: التي يمنيكم جميعا بها الشيطان.

ولما كانت أمانيهم أنهم لا يجازون بأعمالهم الخبيثة؛ أنتج ذلك؛ لا محالة؛ قوله: من يعمل سوءا يجز به ؛ أي: بالمصائب؛ من الأمراض وغيرها؛ عاجلا إن أريد به الخير؛ وآجلا إن أريد به الشر؛ وما أحسن إيلاؤها لتمنية الشيطان؛ المذكورة في قوله: "يعدهم ويمنيهم"! فيكون الكلام وافيا بكشف عوار شياطين الجن؛ ثم الإنس؛ في غرورهم لمن خف معهم؛ مؤيسا لمن قبل منهم؛ وما أبدع ختامها بقوله: ولا [ ص: 411 ] يجد له ! ولما كان كل أحد قاصرا عن مولاه؛ عبر بقوله: من دون الله ؛ أي: الذي حاز جميع العظمة؛ وليا ؛ أي: قريبا؛ يفعل معه ما يفعل القريب؛ ولا نصيرا ؛ أي: ينصره في وقت ما؛ وما أشد التئامها بختام أول الآيات المحذرة منهم: ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب يشترون الضلالة ؛ إلى قوله: وكفى بالله وليا وكفى بالله نصيرا ! إشارة إلى أن مقصود المنافقين من مشايعة أهل الكتاب؛ ومتابعتهم؛ إنما هو الولاية والنصرة؛ وأنهم قد ضيعوا منيتهم؛ فاستنصروا بمن لا نصرة له؛ وتركوا من ليست النصرة إلا له.

التالي السابق


الخدمات العلمية