صفحة جزء
ولما كان هذا الخبيث معرضا عن هذا العلم الذي هو معترف به كله، وإنما كان إعراضه لما عنده من الحظوظ والشهوات الموقعة له [ ص: 169 ] - بحكم الرد أسفل سافلين - إلى رتبة البهائم، أتى بأعظم أدوات الردع فقال: كلا أي ليس عنده علم بشيء من ذلك لسفول رتبته عن رتبة البهائم ولا في يده شيء من الأشياء، فهو لا يقدر على شيء مما رامه من الأذى، فليرتدع عن تعاطي ذلك لأنه لا يضر إلا نفسه.

ولما كان نفي العلم عنه يوهم أنه في عداد الغافلين الذي لا ملامة عليهم، بين أن انتفاء العلم عنه ليس عن غفلة يعذر صاحبها، إنما هو عن تهاون بالخير ورضى بالعمى والتقليد، فهو من قسم الضال الذي فرط في استعمال القوة العلمية المذكور في الفاتحة، فاستأنف الإخبار عنه في جواب من يقول: فما يفعل [به] ؟ معبرا بأداة الشك إقامة له ولغيره في محل الرجاء لانتهائه إبقاء للتكليف ومؤكدا لأنهم منكرون: لئن لم ينته أي يفتعل هذا الناهي لهذا العبد المطيع فيقف ويكف عما هو فيه من نهيه وتكذيبه وتوليه.

ولما كان الحال غير محتاج إلى أكثر من التأكد لإيقاع الفعل، عبر بالحقيقة ولم ينقلها إشارة إلى أن هذا الناهي أقل من أن يحتاج فيه إلى فعل شديد، بل أقل نفحة من العذاب تكفي في إهلاكه، وما كان أصل التأكيد إلا تطبيبا لقلوب الأولياء وتكذيبا للأعداء فقال: [ ص: 170 ] لنسفعا أي والله لنأخذن ونقبضن قبضا وأخذا بشدة وعنف مع الجر والاجتذاب واللطم والدفع والغيظ أخذ من يعض مأخوذه ويذله ويسود وجهه ويقذره بالناصية أي بالشعر الذي في مقدم رأسه وهو أشرف ما فيه، والعرب لا تأنف من شيء أنفتهم من أخذ الناصية، وإذا انتهكت حرمة الأشرف فما بالك بغيره، واستغنى بتعريف العهد عن الإضافة.

التالي السابق


الخدمات العلمية