صفحة جزء
[ ص: 514 ] ولما لم يبق - سبحانه - لهم شبهة؛ واستمروا على عنادهم؛ أشار (تعالى) إلى ما تقديره: إنهم لا يشهدون لك عند اتضاح الأمر؛ فقال: لكن ؛ أي: ومع ما قام من البراهين على صدقك؛ وكون كتابك من عند الله؛ فهم لا يشهدون بذلك؛ لكن الله ؛ أي: الذي له الأمر كله؛ فلا كفؤ له؛ يشهد ؛ أي: لك؛ بما أنـزل إليك ؛ أي: من هذا الكتاب المعجز؛ الذي قد أخرس الفصحاء؛ وأبكم البلغاء؛ وفيه هذه الأحكام الصادقة لما عندهم؛ وهم يريدون الإضلال عنها؛ فشهادته ببلاغته؛ وحكمته بصدق الآتي به؛ هي شهادة الله؛ لأنه قائله؛ ولذلك علل بقوله: أنـزله بعلمه ؛ أي: عالما بإنزاله على الوجه المعجز؛ مع كثرة المعارض؛ فلم يقدر أحد؛ ولا يقدر؛ على إحداث شيء فيه من تغيير؛ ولا تبديل؛ ولا زيادة ولا نقصان؛ ولا معارضة؛ والملائكة ؛ أيضا؛ يشهدون ؛ بذلك؛ لأنهم كانوا حضورا لإنزاله؛ وأمناء على من كان منهم على يده ليبلغه - كما قال (تعالى): فإنه يسلك من بين يديه ومن خلفه رصدا ليعلم أن قد أبلغوا رسالات ربهم ؛ وهذا خطاب للعباد؛ على حسب ما يعرفون. [ ص: 515 ] ولما كان ربما أفهم نقصا؛ نفاه بقوله: وكفى بالله ؛ أي: الذي له الكمال كله؛ شهيدا ؛ أي: وكفى بشهادته في ذلك شهادة عن شهادة غيره؛ وذلك لأنه أنزله - سبحانه - شاهدا بشهادته؛ ناطقا بها؛ لإعجازه بنظمه؛ وبما فيه من علمه من الحكم؛ والأحكام؛ وموافقة كتب أهل الكتاب؛ فشهادته بذلك هي شهادة الله؛ وهي لعمري لا تحتاج إلى شهادة أحد غيره.

التالي السابق


الخدمات العلمية