ولما دخل النصارى فيما مضى؛ لأنهم من بني إسرائيل؛ خصهم بالذكر؛ لأن كفرهم أشد وأسمج؛ فقال: 
ومن الذين قالوا ؛ أي: مسمين أنفسهم؛ ملزمين لها النصرة لله؛ مؤكدين قولهم؛ ردا على من يرتاب فيه: 
إنا نصارى ؛ أي: مبالغون في نصرة الحق؛ فالتعبير بذلك دون "ومن النصارى"؛ تنبيه على أنهم تسموا بما لم يفوا به؛ 
أخذنا ؛ أي: بما لنا من العظمة؛ 
ميثاقهم ؛ أي: كما أخذ على الذين من قبلهم. 
ولما كان كفرهم في غاية الظهور والجلاء؛ لم ينسبهم إلى غير الترك؛ فقال: 
فنسوا ؛ أي: تركوا ترك الناسي؛ 
حظا أي:  
[ ص: 61 ] نصيبا عظيما؛ يتنافس في مثله؛ 
مما ذكروا به ؛ أي: في الإنجيل؛ مما سبق لهم ذكره في التوراة؛ من أوصاف نبيه - صلى الله عليه وسلم - وغير ذلك من الحق. 
ولما أدى ذلك إلى تشعبهم فرقا؛ فأنتج تشاحنهم؛ وتقاطعهم؛ وتدابرهم؛ سبب عنه قوله: 
فأغرينا ؛ أي: ألصقنا بعظمتنا؛ إلصاق ما هو بالغراء؛ لا ينفك؛ بل يصير كجزء الشيء؛ 
بينهم ؛ أي: النصارى؛ بعد أن جعلناهم فرقا متباينين؛ بتفريق الدين؛ وكذا بينهم وبين اليهود؛ 
العداوة ؛ ولما كانت العداوة قد تكون عن بغي؛ ونحوه؛ إذا زال زالت؛ أو خفت؛ قال معلما أنها لأمر باطني؛ نشأ من تزيين الهوى؛ فهو ثابت غير منفك؛ 
والبغضاء ؛ بالأهواء المختلفة؛ 
إلى يوم القيامة 
ولما أخبر بنكدهم في الدنيا؛ أعقبه ما لهم في الأخرى؛ فقال: 
وسوف ينبئهم ؛ أي: يخبرهم؛ 
الله ؛ أي: الملك الأعلى؛ المحيط بكل شيء قدرة وعلما؛ إخبارا بعظيم الشأن بما فيه من عظم التقريع والتوبيخ في الآخرة؛ بوعيد لا خلف فيه; ولما كانت خيانتهم قد صارت لهم فيها ملكات؛ بما لازموا منها؛ حتى ضربوا بها؛ وتدربوا عليها؛ حتى  
[ ص: 62 ] صارت لهم أحوالا لأنفسهم؛ وأخلاقا لقلوبهم؛ سماها صنائع؛ فقال: 
بما كانوا يصنعون ؛ أي: دربوا أنفسهم عليه؛ حتى صار كالصنعة؛ فيجازيهم عليه بما يقيم عليهم من الحجة.