صفحة جزء
ولما كان معنى ذلك أنه لا اعتراض عليه - سبحانه - في شيء من ذلك؛ ولا مانع؛ لأن قدرته تامة؛ ليس هو كمن يشاهد من الملوك الذين ربما يعجزون من اعتراض أتباعهم ورعاياهم عن تقريب بعض ما لم يباشر إساءة؛ وإبعاد بعض من لم يباشر إحسانا؛ فكيف بغير ذلك! قال (تعالى) - مقررا لذلك بتفرده في الملك -: ألم تعلم أن الله ؛ أي: الذي له جميع العز؛ له ملك السماوات ؛ أي: على علوها؛ وارتفاع سمكها؛ وانقطاع أسباب ما دونها منها؛ والأرض ؛ أي أن الملك خالص له عن جميع الشوائب.

[ ص: 137 ] ولما كان إيقاع النقمة أدل على القدرة؛ وكان السياق لها لما تقدم من خيانة أهل الكتاب؛ وكفرهم؛ وقصة ابني آدم ؛ والسرقة؛ والمحاربة؛ وغير ذلك؛ قدم قوله - معللا لفعل ما يشاء بتمام الملك؛ لا بغيره من رعاية لمصالح؛ أو غيرها -: يعذب من يشاء ؛ أي: من بني إسرائيل؛ الذين ادعوا البنوة والمحبة؛ وغيرهم؛ وإن كان مطيعا؛ أي: له فعل ذلك؛ لأنه لا يقبح منه شيء؛ ويغفر لمن يشاء ؛ أي: وإن كان عمله موبقا؛ لأنه لا يتصور منه ظلم؛ ولا يسوغ عليه اعتراض.

ولما كان التقدير: "لأنه قادر على ذلك"؛ عطف عليه قوله: والله ؛ أي: الذي له الإحاطة بكل كمال؛ على كل شيء ؛ أي شيء؛ قدير ؛ أي: ليس هو كغيره من الملوك الذين قد يعجز أحدهم عن تقريب ابنه؛ وتبعيد أعدى عدوه؛ وهذه القضية الضرورية ختم بها ما دعت المناسبة إلى ذكره من الأحكام؛ وكر بها على أتم انتظام إلى أوائل نقوض دعواهم في قوله: بل أنتم بشر ممن خلق ؛ الآية.

التالي السابق


الخدمات العلمية