صفحة جزء
ولما كان هذا الذي أباحه لهم وأباحهم إياه؛ لا يكون إلا بأسباب لا تسعها العقول؛ ولا تكتنه بفروع؛ ولا أصول؛ علل إعطاءه إياه؛ وسهولته لديه؛ بقوله - مشيرا إلى أن كل ما ادعيت فيه الإلهية مما تقدم في هذه السورة؛ وغيرها؛ بعيد عن ذلك؛ لأنه ملكه؛ وفي ملكه؛ وتحت قهره: لله ؛ أي: الملك الذي لا تكتنه عظمته؛ ولا تضعف قدرته؛ لا لغيره؛ ملك السماوات ؛ بدأ بها لأنها أشرف؛ وأكبر؛ وآياتها أدل؛ وأكثر؛ والأرض ؛ على اتساعهما؛ وعظمهما؛ وتباعد ما بينهما؛ وما فيهن ؛ أي: من جوهر؛ وعرض.

ولما كان ذلك أنهى ما نعلمه؛ عمم بقوله: وهو على كل شيء ؛ أي: من ذلك؛ وغيره؛ من كل ما يريد؛ قدير ؛ فلذلك هو يحكم ما يريد؛ لأنه هو الإله وحده؛ وهو قادر على إسعاد من شاء؛ وإشقاء من شاء؛ وإحلال ما شاء؛ وتحريم ما شاء؛ والحكم بما يريد؛ ونفع الصادقين الموفين بالعقود؛ الثابتين على العهود؛ لأن له ملك هذه العوالم؛ وما فيها؛ مما ادعي فيه الإلهية؛ من عيسى وغيره؛ والكل بالنسبة إليه أموات؛ [ ص: 371 ] بل موات؛ جديرون بأن يعبر عنهم بـ "ما"؛ لا بـ "من"؛ فمن يستحق معه شيئا؟ ومن يملك معه ضرا أو نفعا؟ وقد انطبق آخر السورة على أولها كما ترى؛ أي انطباق؛ واتسقت جميع آياتها آخذا بعضها بحجز بعض؛ أي اتساق; فسبحان من أنزل هذا القرآن على أعظم البيان؛ مخجلا لمن أباه من الأمم؛ معجزا لأصحاب السيف والقلم! والله - سبحانه وتعالى - أعلم.

التالي السابق


الخدمات العلمية