1. الرئيسية
  2. نظم الدرر في تناسب الآيات والسور
  3. سورة البقرة
  4. قوله تعالى ثم أنتم هؤلاء تقتلون أنفسكم وتخرجون فريقا منكم من ديارهم تظاهرون عليهم بالإثم والعدوان
صفحة جزء
ولما كان هذا بما أكد به من ذكر الميثاق في مظهر العظمة وإضافة الجناية إلى نفس الجاني جديرا بالبعد منه أشار إلى ذلك بقوله : ثم أنتم هؤلاء الحقيرون المقدور عليهم المجهولون الذين لا يعرف لهم اسم ينادون به ، أو الموجودون الآن ; ثم استأنف البيان عن هذه الجملة فقال : تقتلون أنفسكم من غير التفات إلى هذا العهد الوثيق ، وتخرجون فريقا منكم أي : ناسا هم أشقاء لكم فهم جديرون منكم بالإحسان لا بالإخراج من ديارهم

ولما كان من المستبعد جدا بعد الاستبعاد الأول أن يقعوا في [ ص: 11 ] ذلك على طريق العدوان استأنف البيان لذلك بقوله : تظاهرون أي : تتعاونون ، من التظاهر ، وهو تكلف المظاهرة وهي تساند القوة كأنه استناد ظهر إلى ظهر ، قاله الحرالي . عليهم بالإثم أي : مصاحبين للإثم وهو أسوأ الاعتداء في قول أو فعل أو حال ، ويقال لكذوب : أثوم ، لاعتدائه بالقول على غيره ، والإثم : الخمر لما يقع بها من العداوة والعدوى ، قاله الحرالي . والعدوان أي : والامتلاء في مجاوزة الحدود ، وإن يأتوكم أي : هؤلاء الذين تعاونتم أو عاونتم عليهم ، أسارى جمع أسرى جمع أسير ، وأصله المشدود بالأسر ، وهو القد وهو ما يقد ، أي : يقطع من السير ، تفادوهم أي : تخلصوهم بالمال ، من الفداء وهو الفكاك بعوض ، و تفادوهم من المفاداة وهي الاستواء في العوضين ، قاله الحرالي .

ثم أكد تحريم الإخراج بزيادة الضمير والجملة الاسمية في قوله : [ ص: 12 ] وهو محرم من التحريم ، وهو تكرار الحرمة بالكسر وهي المنع من الشيء لدنايته ، والحرمة بالضم المنع من الشيء لعلوه ، قاله الحرالي . عليكم ولما كان يظن أن الضمير للفداء عينه فقال : إخراجهم ثم أنكر عليهم التفرقة بين الأحكام فقال : أفتؤمنون ببعض الكتاب أي : التوراة وهو الموجب للمفاداة ، وتكفرون ببعض وهو المحرم للقتل والإخراج ، ثم سبب عن ذلك قوله : فما جزاء من يفعل ذلك الأمر العظيم الشناعة ، منكم إلا خزي ضد ما قصدتم بفعلكم من العز ، والخزي إظهار القبائح التي يستحى من إظهارها عقوبة ، قاله الحرالي . في الحياة الدنيا تعجيلا للعقوبة له في الدار التي جعلها محط قصده . [ ص: 13 ] وقد فعل سبحانه ذلك بأنواع الذل والقتل فما دونه ، ويوم القيامة هي فعالة تفهم فيها التاء المبالغة والغلبة ، وهو قيام أمر مستعظم ، والقيام هو الاستقلال بأعباء ثقيلة ، يردون أي : بالبعث ، والرد هو الرجوع إلى ما كان منه بدء المذهب ، قاله الحرالي . إلى أشد العذاب لأنه الخزي الأعظم .

ولما كانت المواجهة بالتهديد أدل على الغضب التفت إليهم في قراءة الجماعة فعطف على ما تقديره ذلك بأن الله عالم بما قصدتموه في ذلك فهو يجازيكم بما تستحقون ، قوله : وما الله أي : المحيط علما وقدرة ، بغافل عما أي : عن شيء بما ، تعملون من ذلك ومن غيره ، وقراءة نافع وابن كثير بالغيب على الأسلوب الماضي .

التالي السابق


الخدمات العلمية