صفحة جزء
آ. (143) قوله تعالى: لميقاتنا : هذه اللام للاختصاص وكذا في قوله تعالى: لدلوك الشمس وليست بمعنى "عند" كما وهم بعضهم.

قوله: أرني مفعوله الثاني محذوف، والتقدير: أرني نفسك أو ذاتك المقدسة وإنما حذفه مبالغة في الأدب، حيث لم يواجهه بالتصريح بالمفعول. وأصل أرني: أرإني فنقلت حركة الهمزة. وقد تقدم تحريره.

قوله: لن تراني : "لن" قد تقدم أنه لا يلزم من نفيها التأبيد وإن كان بعضهم فهم ذلك، حتى إن ابن عطية قال: "فلو بقينا على هذا النفي بمجرده لتضمن أن موسى لا يراه أبدا ولا في الآخرة، لكن ورد من جهة أخرى الحديث المتواتر: أن أهل الجنة يرونه". قلت: وعلى تقدير أن "لن" ليست مقتضية للتأبيد فكلام ابن عطية وغيره ممن يقول: إن نفي المستقبل بعدها يعم جميع الأزمنة المستقبلة صحيح لكن لمدرك آخر: وهو أن الفعل نكرة، والنكرة في سياق النفي تعم، وللبحث فيه مجال.

والاستدراك في قوله "ولكن انظر" واضح. وقال الزمخشري: فإن قلت: كيف اتصل الاستدراك في قوله "ولكن انظر" [بما قبله] ؟ قلت: اتصل به على معنى أن النظر إلي محال فلا تطلبه، ولكن اطلب نظرا آخر وهو أن تنظر إلى الجبل. وهذا على رأيه من أن الرؤية محال مطلقا في الدنيا والآخرة. [ ص: 450 ] قوله: جعله دكا قرأ الأخوان "دكاء" بالمد على وزن حمراء والباقون "دكا" بالقصر والتنوين. فقراءة الأخوين تحتمل وجهين أحدهما: أنها مأخوذة من قولهم: ناقة دكاء، أي: منبسطة السنام غير مرتفعته وإما من قولهم: أرض دكاء للناشزة. وفي التفسير: أنه لم يذهب كله، بل ذهب أعلاه فهذا يناسبه. وأما قراءة الجماعة فـ "دك" مصدر واقع موقع المفعول به، أي مدكوكا أو مندكا، على حذف مضاف، أي: ذا دك. وفي انتصابه على القراءتين وجهان، المشهور: أنه مفعول ثان لـ "جعل" بمعنى صير. والثاني: وهو رأي الأخفش أنه مصدر على المعنى، إذ التقدير: دكه دكا.

وأما على القراءة الأولى فهو مفعول فقط، أي: صيره مثل ناقة دكاء أو أرض دكاء. والدك والدق بمعنى وهو تفتيت الشيء وسحقه. وقيل: تسويته بالأرض. وقرأ ابن وثاب: "دكا" بضم الدال والقصر، وهو جمع دكاء بالمد كحمر في حمراء وغر في غراء، أي جعله قطعا.

قوله: "صعقا" حال مقارنة، والخرور السقوط، كذا أطلقه الشيخ، وقيده الراغب بسقوط يسمع له خرير، والخرير يقال لصوت الماء والريح وغير ذلك مما يسقط من علو. والإفاقة: رجوع الفهم والعقل إلى الإنسان بعد جنون أو سكر، ومنه إفاقة المريض وهي رجوع قوته، وإفاقة الحلب: وهي [ ص: 451 ] رجوع الدر إلى الضرع يقال: استفق ناقتك، أي: اتركها حتى يعود لبنها، والفواق ما بين حلبتي الحالب. وسيأتي بيانه إن شاء الله تعالى.

التالي السابق


الخدمات العلمية