صفحة جزء
آ. (170) قوله تعالى: والذين يمسكون : فيه وجهان، أظهرهما: أنه مبتدأ، وفي خبره حينئذ [أوجه] ، أحدهما: الجملة من قوله: "إنا لا نضيع أجر المصلحين" وفي الرابط حينئذ أقوال، أحدها: أنه ضمير محذوف لفهم المعنى. والتقدير: المصلحين منهم، وهذا على قواعد جمهور البصريين وقواعد الكوفيين تقتضي أن أل قائمة مقام الضمير تقديره: أجر مصلحيهم كقوله: فإن الجنة هي المأوى ، أي: مأواه، وقوله: مفتحة لهم الأبواب ، أي أبوابها، وقوله: في أدنى الأرض ، أي أرضهم، إلى غير ذلك. والثاني: أن الرابط تكرر المبتدأ بمعناه نحو: زيد قام أبو عبد الله وهو رأي الأخفش، وهذا كما يجيزه في الموصول نحو: أبو سعيد الذي رويت عن الخدري، والحجاج الذي رأيت ابن يوسف، وقد قدمت من ذلك شواهد كثيرة. الثالث: أن الرابط هو العموم في "المصلحين" قاله أبو البقاء، قال: "وإن شئت قلت: لما كان المصلحون جنيا والمبتدأ واحد منه استغنيت [ ص: 508 ] عن ضمير". قلت: العموم رابط من الروابط الخمسة وعليه قوله:


2329 - ألا ليت شعري هل إلى أم سالم سبيل فأما الصبر عنها فلا صبرا



ومنه "نعم الرجل زيد" على أحد الأوجه.

والوجه الثاني من وجهي الخبر أنه محذوف تقديره: والذين يمسكون مأجورون أو مثابون ونحوه، وقوله: "إنا لا نضيع" جملة اعتراضية، قاله الحوفي، ولا ضرورة إلى ادعاء مثله.

الثاني من وجهي "والذين يمسكون" : أنه في محل جر نسقا على "للذين يتقون"، أي: ولدار الآخرة خير للمتقين وللمتمسكين، قاله الزمخشري، إلا أنه قال: ويكون قوله "إنا لا نضيع اعتراضا". وفيه نظر لأنه لم يقع بين شيئين متلازمين ولا بين شيئين بينهما تعلق معنوي فكان ينبغي أن يقول: ويكون على هذا مستأنفا.

وقرأ العامة: "يمسكون" بالتشديد من مسك بمعنى تمسك، حكاه أهل التصريف، أي: إن فعل بمعنى تفعل، وعلى هذا فالباء للآلة كهي في: تمسكت بالحبل. وقرأ أبو بكر عن عاصم ورويت عن أبي عمرو وأبي العالية: "يمسكون" بسكون الميم وتخفيف السين من أمسك، وهما لغتان يقال: مسكت وأمسكت، وقد جمع كعب بن زهير بينهما في قوله:


2330 - ولا تمسك بالعهد الذي زعمت     إلا كما يمسك الماء الغرابيل

[ ص: 509 ] ولكن أمسك متعد. قال تعالى: ويمسك السماء فعلى هذا مفعوله محذوف تقديره: "يمسكون دينهم وأعمالهم بالكتاب"، فالباء يجوز أن تكون للحال وأن تكون للآلة، أي: مصاحبين للكتاب، أي لأوامره ونواهيه. وقرأ الأعمش وهي قراءة عبد الله "استمسكوا". وأبي "تمسكوا" ماضيين.

التالي السابق


الخدمات العلمية