صفحة جزء
آ . (15) قوله تعالى : ويذهب : الجمهور على ضم الياء وكسر الهاء من أذهب . و " غيظ " مفعول به . وقرأت طائفة : " ويذهب " بفتح الياء والهاء ، جعله مضارعا لذهب ، " غيظ " فاعل به . وقرأ زيد بن علي كذلك ، إلا أنه رفع الفعل مستأنفا ولم ينسقه على المجزوم قبله ، كما قرءوا : " ويتوب " بالرفع عند الجمهور . وقرأ زيد بن علي والأعرج وابن أبي إسحاق وعمرو بن عبيد ، وعمرو بن فائد ، وعيسى الثقفي ، وأبو عمرو في رواية ويعقوب : " ويتوب " بالنصب .

فأما قراءة الجمهور فإنها استئناف إخبار ، وكذلك وقع فإنه قد أسلم ناس كثيرون . قال الزجاج وأبو الفتح : " وهذا أمر موجود سواء قوتلوا أم يقاتلوا ، ولا وجه لإدخال التوبة في جواب الشرط الذي في " قاتلوهم " . يعنيان بالشرط ما فهم من الجملة الأمرية .

وأما قراءة زيد ومن ذكر معه ، فإن التوبة تكون داخلة في جواب الأمر من طريق المعنى . وفي توجيه ذلك غموض : فقال بعضهم : إنه لما أمرهم بالمقاتلة شق ذلك على بعضهم ، فإذا أقدموا على المقاتلة ، صار ذلك العمل [ ص: 28 ] جاريا مجرى التوبة من تلك الكراهة . قلت : فيصير المعنى : إن تقاتلوهم يعذبهم ويتب عليكم من تلك الكراهة لقتالهم . وقال آخرون في توجيه ذلك : إن حصول الظفر وكثرة الأموال لذة تطلب بطريق حرام ، فلما حصلت لهم بطريق حلال ، كان ذلك داعيا لهم إلى التوبة مما تقدم ، فصارت التوبة معلقة على المقاتلة .

وقال ابن عطية في توجيه ذلك أيضا : " يتوجه ذلك عندي إذا ذهب إلى أن التوبة يراد بها هنا [أن] قتل الكافرين والجهاد في سبيل الله هو توبة لكم أيها المؤمنون وكمال لإيمانكم ، فتدخل التوبة على هذا في شرط القتال " قال الشيخ : " وهذا الذي قدره من كون التوبة تدخل تحت جواب الأمر ، وهو بالنسبة للمؤمنين الذين أمروا بقتال الكفار . والذي يظهر أن ذلك بالنسبة إلى الكفار ، والمعنى : على من يشاء من الكفار ، لأن قتال الكفار وغلبة المسلمين إياهم ، قد يكون سببا لإسلام كثير . ألا ترى إلى فتح مكة كيف أسلم لأجله ناس كثيرون ، وحسن إسلام بعضهم جدا ، كابن أبي سرح وغيره " . قلت : فيكون هذا توجيها رابعا ، ويصير المعنى : إن تقاتلوهم يتب الله على من يشاء من الكفار أي : يسلم من شاء منهم .

التالي السابق


الخدمات العلمية