صفحة جزء
آ . (24) قوله تعالى : إن كان آباؤكم : " آباؤكم " - وما عطف عليه- اسم كان ، و " أحب " خبرها فهو منصوب . وكان المتفاصح الحجاج ابن يوسف يقرؤها بالرفع ، ولحنه يحيى بن يعمر فنفاه . قال الشيخ : " إنما لحنه باعتبار مخالفة القراء النقلة وإلا فهي جائزة في العربية ، يضمر في " كان " اسما ، وهو ضمير الشأن ويرفع ما بعدها على المبتدأ والخبر ، وحينئذ تكون الجملة خبرا عن " كان " . قلت : فيكون كقول الشاعر :


2476 - إذا مت كان الناس صنفان شامت وآخر مثن بالذي كنت أصنع



هذا في أحد تأويلي البيت . والآخر : أن " صنفان " خبر منصوب ، وجاء به على لغة بني الحرث ومن وافقهم .

[ ص: 34 ] والحكاية التي أشار إليها الشيخ من تلحين يحيى للحجاج ، هي أن الحجاج كان يدعي فصاحة عظيمة ، فقال يوما ليحيى بن يعمر وكان يعظمه : هي تجدني ألحن ؟ ، فقال : الأمير أجل من ذلك ، فقال : عزمت عليك إلا ما أخبرتني وكان يعظمون عزائم الأمراء . فقال : نعم . فقال : في أي شيء ؟ ، فقال : في القرآن . فقال : ويلك!! ذلك أقبح بي . في أي آية ؟ ، قال : سمعتك تقرأ : قل إن كان آباؤكم ، إلى أن انتهيت إلى " أحب " فرفعتها . فقال : إذن لا تسمعني ألحن بعدها ، فنفاه إلى خراسان ، فمكث بها مدة ، وكان بها حينئذ يزيد بن المهلب بن أبي صفرة ، فجاءهم جيش ، فكتب إلى الحجاج كتابا وفيه : " وقد جاءنا العدو فتركناهم بالحضيض ، وصعدنا عرعرة الجبل " . فقال الحجاج : ما لابن المهلب ولهذا الكلام ؟ ، فقيل له : إن يحيى هناك . فقال : إذن ذلك .

وقرأ الجمهور : " عشيرتكم " بالإفراد ، وأبو بكر عن عاصم : " عشيراتكم " جمع سلامة . ووجه الجمع ، أن لكل من المخاطبين عشيرة فحسن الجمع . وزعم الأخفش أن " عشيرة " لا تجمع بالألف والتاء إنما تجمع تكسيرا على عشائر . وهذه القراءة حجة عليه ، وهي قراءة أبي عبد الرحمن السلمي ، وأبي رجاء . وقرأ الحسن " عشائركم " قيل : وهي أكثر من عشيراتكم .

[ ص: 35 ] والعشيرة : هي الأهل الأدنون . وقيل : هم أهل الرجل الذين يتكثر بهم أي : يصيرون له بمنزلة العدد الكامل ، وذلك أن العشيرة هي العدد الكامل ، فصارت العشيرة اسما لأقارب الرجل الذي يتكثر بهم ، سواء بلغوا العشرة أم فوقها . وقيل : هي الجماعة المجتمعة بنسب أو عقد أو وداد كعقد العشرة .

التالي السابق


الخدمات العلمية