صفحة جزء
آ . (25) قوله تعالى : ويوم حنين : فيه أوجه : أحدها : أنه عطف على محل قوله " في مواطن " ، عطف ظرف الزمان من غير واسطة " في " على ظرف المكان المجرور بها . ولا غرو في نسق ظرف زمان على مكان أو العكس تقول : " سرت أمامك يوم الجمعة " إلا أن الأحسن أن يترك العاطف مثله . الثاني : زعم ابن عطية أنه يجوز أن يعطف على لفظ " مواطن " بتقدير : وفي ، فحذف حرف الخفض . وهذا لا حاجة إليه . الثالث : قال الزمخشري : " فإن قلت : كيف عطف الزمان على المكان ، وهو " يوم حنين " على " مواطن " ؟ ، قلت : معناه : وموطن يوم حنين أو في أيام مواطن كثيرة ويوم حنين " . الرابع : أن يراد بالمواطن الأوقات ، فحينئذ إنما عطف زمان على زمان . قال الزمخشري بعدما قدمته عنه : " ويجوز أن يراد بالمواطن الوقت كمقتل الحسين ، على أن الواجب أن يكون " يوم حنين " منصوبا بفعل مضمر لا بهذا الظاهر . وموجب ذلك أن قوله : " إذا أعجبتكم " بدل من " يوم حنين " ، فلو جعلت ناصبه هذا الظاهر لم يصح لأن كثرتهم لم تعجبهم في جميع تلك المواطن ، ولم يكونوا كثيرين في جميعها ، فبقي أن يكون ناصبه فعلا خاصا به " . قلت : لا أدري ما حمله على تقدير أحد المضافين أو على تأويل [ ص: 36 ] الموطن بالوقت ليصح عطف زمان على زمان ، أو مكان على مكان ، إذ يصح عطف أحد الظرفين على الآخر ؟

وأما قوله : " على أن الواجب أن يكون إلى آخره " كلام حسن ، وتقديره أن الفعل مقيد بظرف المكان ، فإذا جعلنا " إذ " بدلا من " يوم " كان معمولا له ؛ لأن البدل يحل محل المبدل منه ، فيلزم أنه نصرهم إذا أعجبتهم كثرتهم في مواطن كثيرة ، والفرض أنهم في بعض هذه المواطن لم يكونوا بهذه الصفة . إلا أنه قد ينقدح فإنه تعالى لم يقل : في جميع المواطن حتى يلزم ما قال ، ويمكن أن يكون أراد بالكثرة الجميع ، كما يراد بالقلة العدم .

قوله : بما رحبت " ما " مصدرية أي : رحبها وسعتها . وقرأ زيد ابن علي في الموضعين : " رحبت " بسكون العين ، وهي لغة تميم ، يسلبون عين فعل فيقولون في شرف : شرف .

والرحب بالضم : السعة ، وبالفتح : الشيء الواسع . يقال : رحب المكان يرحب رحبا ورحابة وهو قاصر . فأما تعديه في قولهم : " رحبتكم الدار " فعلى التضمين لأنه بمعنى وسعتكم .

وحنين اسم واد ، فلذلك صرفه . وبعضهم جعله اسما للبقعة فمنعه في قوله :


2477 - نصروا نبيهم وشدوا أزره بحنين يوم تواكل الأبطال



وهذا كما قال الآخر في " حراء " اسم الجبل المعروف اعتبارا بتأنيث [ ص: 37 ] البقعة في قوله :


2478 - ألسنا أكبر الثقلين رحلا     وأعظمهم ببطن حراء نارا



والمواطن جمع موطن بكسر العين ، وكذا اسم مصدره وزمانه لاعتلال فائه كالموعد قال :


2479 - وكم موطن لولاي طحت كما هوى     بأجرامه من قلة النيق منهوي

التالي السابق


الخدمات العلمية