صفحة جزء
[ ص: 38 ] آ . (30) قوله تعالى : عزير ابن الله : قرأ عاصم والكسائي بتنوين " عزير " والباقون من غير تنوين . فأما القراءة الأولى فيحتمل أن يكون اسما عربيا مبتدأ ، و " ابن " خبره ، فتنوينه على الأصل . ويحتمل أن يكون أعجميا ، ولكنه خفيف اللفظ كنوح ولوط ، فصرف لخفة لفظه ، وهذا قول أبي عبيد ، يعني أنه تصغير " عزر " فحكمه حكم مكبره . وقد رد هذا القول على أبي عبيد بأنه ليس بتصغير ، إنما هو أعجمي جاء على هيئة التصغير في لسان العرب ، فهو كسليمان جاء على مثال عثيمان وعبيدان .

وأما القراءة الثانية فيحتمل حذف التنوين ثلاثة أوجه أحدها : أنه حذف لالتقاء الساكنين على حد قراءة : قل هو الله أحد الله الصمد وهو اسم منصرف مرفوع بالابتداء و " ابن " خبره . الثاني : أن تنوينه حذف لوقوع الابن صفة له ، فإنه مرفوع بالابتداء و " ابن " صفته ، والخبر محذوف أي : عزير ابن الله نبينا أو إمامنا أو رسولنا ، وكان قد تقدم أنه متى وقع الابن صفة بين علمين غير مفصول بينه وبين موصوفه ، حذفت ألفه خطا وتنوينه لفظا ، ولا تثبت إلا ضرورة ، وتقدم الإنشاد عليه آخر المائدة . ويجوز أن يكون " عزير " خبر مبتدأ مضمر أي : نبينا عزير و " ابن " صفة له أو بدل أو عطف بيان . الثالث : أنه إنما حذف لكونه ممنوعا من الصرف للتعريف والعجمة ، ولم يرسم في المصحف إلا ثابت الألف ، وهي تنصر من يجعله خبرا .

وقال الزمخشري : " عزير ابن : مبتدأ وخبره ، كقوله : المسيح ابن الله . و " عزير " اسم أعجمي كعزرائيل وعيزار ، ولعجمته وتعريفه امتنع من [ ص: 39 ] صرفه ، ومن صرفه جعله عربيا ، وقول من قال : سقوط التنوين لالتقاء الساكنين كقراءة قل هو الله أحد الله ، أو لأن الابن وقع وصفا والخبر محذوف وهو " معبودنا " فتمحل عند مندوحة .

قوله : يضاهئون قرأ العامة : " يضاهئون " بضم الهاء بعدها واو ، وعاصم بهاء مكسورة بعدها همزة مضمومة ، بعدها واو . فقيل : هما بمعنى واحد وهو المشابهة وفيه لغتان : ضاهأت وضاهيت ، بالهمزة والياء ، والهمز لغة ثقيف . وقيل : الياء فرع عن الهمز كما قالوا : قرأ وقريت وتوضأت وتوضيت ، وأخطأت وأخطيت . وقيل : بل يضاهئون بالهمز مأخوذ من يضاهيون ، فلما ضمت الهاء قلبت همزة . وهذا خطأ لأن مثل هذه الياء لا تثبت في هذا الموضع حتى تقلب همزة ، بل يؤدي تصريفه إلى حذف الياء نحو " يرامون " من الرمي و " يماشون " من المشي . وزعم بعضهم أنه مأخوذ من قولهم : امرأة ضهيا بالقصر ، وهي التي لا ثدي لها ، والتي لا تحيض ، سميت بذلك لمشابهتها الرجال .

يقال : امرأة ضهيا بالقصر وضهياء بالمد كحمراء ، وضهياءة بالمد وتاء التأنيث ثلاث لغات ، وشذ الجمع بين علامتي تأنيث في هذه اللفظة . حكى اللغة الثالثة الجرمي عن أبي عمرو الشيباني . قيل : وقول من زعم أن المضاهأة بالهمز مأخوذة من امرأة ضهياء في لغاتها الثلاث خطأ لاختلاف المادتين ، فإن الهمزة في امرأة ضهياء زائدة في اللغات الثلاث وهي في المضاهأة أصلية .

[ ص: 40 ] فإن قيل : لم لم يدع أن همزة ضهياء أصلية وياؤها زائدة ؟ ، فالجواب أن فعيلا بفتح الياء لم يثبت . فإن قيل : فلم لم يدع أن وزنها فعلل كجعفر ؟ ، فالجواب أنه قد ثبتت زيادة الهمزة في ضهياء بالمد فلتثبت في اللغة الأخرى ، وهذه قاعدة تصريفية .

والكلام على حذف مضاف تقديره : يضاهي قولهم قول الذين ، فحذف المضاف ، وأقيم المضاف إليه مقامه ، فانقلب ضمير رفع بعد أن كان ضمير جر .

والجمهور على الوقف على " أفواههم " ويبتدئون بـ " يضاهئون " وقيل : الباء تتعلق بالفعل بعدها . وعلى هذا فلا يحتاج إلى حذف هذا المضاف . واستضعف أبو البقاء قراءة عاصم وليس بجيد لتواترها .

التالي السابق


الخدمات العلمية