صفحة جزء
آ . (2) قوله تعالى : أكان للناس عجبا أن أوحينا : الهمزة للإنكار و " أن أوحينا " اسمها . و " عجبا " خبرها . و " للناس " متعلق بمحذوف على أنه حال من " عجبا " لأنه في الأصل صفة له ، أو متعلق بـ " عجبا " ، ولا يضر كونه مصدرا لأنه يتسع في الظرف وعديله ما لا يتسع في غيرهما . وقيل : لأن " عجبا " مصدر واقع موقع اسم الفاعل أو اسم المفعول ، ومتى كان كذلك جاز تقديم معموله . وقيل : هو متعلق بـ " كان " الناقصة ، وهذا على رأي من يجيز فيها ذلك . وهذا مرتب على الخلاف في دلالة " كان " الناقصة على الحدث ، فإن قلنا : إنها تدل على ذلك فيجوز وإلا فلا وقيل : هو متعلق بمحذوف على التبين ، والتقدير في الآية : أكان إيحاؤنا إلى رجل منهم عجبا لهم . و " منهم " صفة لـ " رجل " .

وقرأ رؤبة " رجل " بسكون الجيم ، وهي لغة تميم ، يسكنون فعلا [ ص: 145 ] نحو : سبع وعضد . وقرأ عبد الله بن مسعود " عجب " . وفيها تخريجان ، أظهرهما : أنها التامة ، أي : أحدث للناس عجب ، و " أن أوحينا " متعلق بـ " عجب " على حذف لام العلة ، أي : عجب لأن أوحينا ، أو يكون على حذف " من " ، أي : من أن أوحينا . والثاني : أن تكون الناقصة ، ويكون قد جعل اسمها النكرة وخبرها المعرفة ، على حد قوله :


2559 - ... ... ... ... يكون مزاجها عسل وماء

وقال الزمخشري : " والأجود أن تكون التامة ، و " أن أوحينا " بدل من " عجب " . يعني به بدل اشتمال أو كل من كل ؛ لأنه جعل هذا نفس العجب مبالغة . والتخريج الثاني لابن عطية .

قوله : أن أنذر يجوز أن تكون المصدرية ، وأن تكون التفسيرية . ثم لك في المصدرية اعتباران ، أحدهما : أن تجعلها المخففة من الثقيلة ، واسمها ضمير الأمر والشأن محذوف . كذا قال الشيخ ، وفيه نظر من حيث إن أخبار هذه الأحرف لا تكون جملة طلبية ، حتى لو ورد ما يوهم ذلك يؤول على إضمار القول كقوله :


2560 - ولو أصابت لقالت وهي صادقة     إن الرياضة لا تنصبك للشيب



وقول الآخر :

[ ص: 146 ]

2561 - إن الذين قتلتم أمس سيدهم     لا تحسبوا ليلهم عن ليلكم ناما



وأيضا فإن الخبر في هذا الباب إذا وقع جملة فعلية فلا بد من الفصل بأشياء ذكرتها في المائدة ، ولكن ذلك الفاصل هنا متعذر . والثاني : أنها التي بصدد أن تنصب الفعل المضارع ، وهي توصل بالفعل المتصرف مطلقا نحو : " كتبت إليه بأن قم " . وقد تقدم لنا في ذلك بحث أيضا ولم يذكر المنذر به ، وقد ذكر المبشر به كما سيأتي لأن المقام يقتضي ذلك .

قوله : أن لهم قدم " أن " وما في حيزها هي المبشر بها ، أي : بشرهم باستقرار قدم صدق ، فحذفت الباء ، فجرى في محلها المذهبان . والمراد بقدم صدق السابقة والفضل والمنزلة الرفيعة . وإليه ذهب الزجاج والزمخشري ومنه قول ذي الرمة :


2562 - لهم قدم لا ينكر الناس أنها     مع الحسب العادي طمت على البحر



لما كان السعي والسبق بالقدم سمي السعي المحمود قدما ، كما سميت اليد نعمة لما كانت صادرة عنها ، وأضيف إلى الصدق دلالة على فضله ، وهو من باب: رجل صدق ورجل سوء . وقيل : هو سابقة الخير التي قدموها ، ومنه قول وضاح اليمني :


2563 – ما لك وضاح دائم الغزل     ألست تخشى تقارب الأجل
صل لذي العرش واتخذ قدما     تنجيك يوم العثار والزلل

[ ص: 147 ] وقيل : هو التقدم في الشرف ، ومنه قول العجاج :


2564 - ذل بنو العوام من آل الحكم     وتركوا الملك لملك ذي قدم



أي : ذي تقدم وشرف . و " لهم " خبر مقدم ، و " قدم " اسمها ، و " عند ربهم " صفة لـ " قدم " . ومن جوز أن يتقدم معمول خبر " أن " على اسمها إذا كان حرف جر كقوله :


2565 - فلا تلحني فيها فإن بحبها     أخاك مصاب القلب جم بلابله



قال : فـ " بحبها " متعلق بـ " مصاب " ، وقد تقدم على الاسم فكذلك " لهم " يجوز أن يكون متعلقا بـ " عند ربهم " لما تضمن من الاستقرار ، ويكون " عند ربهم " هو الخبر .

وقرأ نافع وأبو عمرو وابن عامر " لسحر " والباقون " لساحر " ، فـ " هذا " يجوز أن يكون إشارة للقرآن ، وأن يكون إشارة للرسول على القراءة الأولى ، ولكن لا بد من تأويل على قولنا : إن المشار إليه هو النبي عليه السلام ، أي : ذو سحر أو جعلوه إياه مبالغة . وأما على القراءة الثانية فالإشارة للرسول عليه السلام فقط .

التالي السابق


الخدمات العلمية