صفحة جزء
[ ص: 148 ] آ . (4) قوله تعالى : وعد الله : منصوب على المصدر المؤكد ، لأن معنى " إليه مرجعكم " : وعدكم بذلك .

وقوله : حقا مصدر آخر مؤكد لمعنى هذا الوعد ، وناصبه مضمر ، أي : أحق ذلك حقا . وقيل : انتصب " حقا " بـ " وعد " على تقدير " في " ، أي : وعد الله في حق ، يعني على التشبيه بالظرف . وقال الأخفش الصغير : " التقدير : وقت حق " وأنشد :


2566 - أحقا عباد الله أن لست ذاهبا ولا والجا إلا علي رقيب



قوله : إنه يبدأ الجمهور على كسر الهمزة للاستئناف . وقرأ عبد الله وابن القعقاع والأعمش وسهل بن شعيب بفتحها . وفيها تأويلات ، أحدها : أن تكون فاعلا بما نصب " حقا " ، أي : حق حقا بدء الخلق ، ثم إعادته ، كقوله :


2567 - أحقا عباد الله أن لست جائيا      ... ... ... ...



البيت . وهو مذهب الفراء فإنه قال : " والتقدير : يحق أنه يبدأ الخلق . الثاني : أنه منصوب بالفعل الذي نصب " وعد الله " أي : وعد الله تعالى بدء الخلق ثم إعادته ، والمعنى إعادة الخلق بعد بدئه . الثالث : أنه [ ص: 149 ] على حذف لام الجر أي : لأنه ذكر هذه الأوجه الثلاثة الزمخشري وغيره . الرابع : أنه بدل من " وعد الله " قاله ابن عطية . الخامس : أنه مرفوع بنفس " حقا " أي : بالمصدر المنون ، وهذا إنما يتأتى على جعل " حقا " غير مؤكد ؛ لأن المصدر المؤكد لا عمل له إلا إذا ناب عن فعله ، وفيه بحث . السادس : أن يكون " حقا " مشبها بالظرف خبرا مقدما و " أنه " في محل رفع مبتدأ مؤخرا كقولهم : أحقا أنك ذاهب قالوا : تقديره : أفي حق ذهابك .

وقرأ ابن أبي عبلة : " حق أنه " برفع [حق] وفتح " أن " على الابتداء والخبر . قال الشيخ : " وكون حق " خبر مبتدأ ، و " أنه " هو المبتدأ هو الوجه في الإعراب ، كما تقول : " صحيح أنك تخرج " لأن [اسم] " أن " معرفة ، والذي تقدمها في هذا المثال نكرة " قلت : فظاهر هذه العبارة يشعر بجواز العكس ، وهذا قد ورد في باب " إن " كقوله :


2568 - وإن حراما أن أسب مجاشعا     بآبائي الشم الكرام الخضارم

وقوله :


2569 - وإن شفاء عبرة أن سفحتها     وهل عند رسم دارس من معول ...

[ ص: 150 ] على جعل " أن سفحتها " بدلا من " عبرة " . وقد أخبر في " كان " عن نكرة بمعرفة كقوله :


2570 - ... ... ... ...     ولا يك موقف منك الوداعا



وقوله :


2571 - ... ... ... ...     يكون مزاجها عسل وماء



وقال مكي : " وأجاز الفراء رفع " وعد " ، يجعله خبرا لـ " مرجعكم " .

وأجاز رفع " وعد " و " حق " على الابتداء والخبر ، وهو حسن ، ولم يقرأ به أحد " . قلت : نعم لم يرفع وعد وحق معا أحد ، وأما رفع " حق " وحده فقد تقدم أن ابن أبي عبلة قرأه ، وتقدم توجيهه . ولا يجوز أن يكون " وعد الله " عاملا في " أنه " لأنه قد وصف بقوله " حقا " قاله أبو الفتح .

وقرئ " وعد الله " بلفظ الفعل الماضي ورفع الجلالة فاعلة ، وعلى هذه يكون " أنه يبدأ " معمولا له إن كان هذا القارئ يفتح " أنه " .

والجمهور على " يبدأ " بفتح الياء من بدأ ، وابن أبي طلحة " يبدئ " من أبدأ ، وبدأ وأبدأ بمعنى .

[ ص: 151 ] قوله : ليجزي متعلق بقوله " ثم يعيده " ، و " بالقسط " متعلق بـ " يجزي " . ويجوز أن يكون حالا : إما من الفاعل أو المفعول أي : يجزيهم ملتبسا بالقسط أو ملتبسين به . والقسط : العدل .

قوله : والذين كفروا يحتمل وجهين ، أحدهما : أن يكون مرفوعا بالابتداء ، والجملة بعده [خبره] . الثاني : أن يكون منصوبا عطفا على الموصول قبله ، وتكون الجملة بعده مبينة لجزائهم . و " شراب " [يجوز أن] يكون فاعلا ، وأن يكون مبتدأ ، [والأول أولى] .

قوله : بما كانوا الظاهر تعلقه بالاستقرار المضمر في الجار الواقع خبرا ، والتقدير : استقر لهم شراب من جهنم وعذاب أليم بما كانوا . وجوز أبو البقاء فيه وجهين - ولم يذكر غيرهما - الأول : أن يكون صفة أخرى لـ " عذاب " . والثاني : أن يكون خبر مبتدأ محذوف ، وهذا لا معنى له ولا حاجة إلى العدول عن الأول .

التالي السابق


الخدمات العلمية