صفحة جزء
آ . (5) قوله تعالى : ضياء : إما مفعول ثان على أن الجعل للتصيير ، وإما حال على أنه بمعنى الإنشاء . والجمهور على " ضياء " بصريح الياء قبل الألف ، وأصلها واو لأنه من الضوء . وقرأ قنبل عن ابن كثير هنا وفي الأنبياء والقصص " ضئاء " بقلب الياء همزة ، فتصير ألف بين همزتين . وأولت على أنه مقلوب قدمت لامه وأخرت عينه فوقعت الياء طرفا بعد ألف [ ص: 152 ] زائدة فقلبت همزة على حد " رداء " . وإن شئت قلت : لما قلبت الكلمة صار " ضياوا " بالواو ، عادت العين إلى أصلها من الواو لعدم موجب قلبها ياء وهو الكسر السابقها ، ثم أبدلت الواو همزة على حد كساء . وقال أبو البقاء : " إنها قلبت ألفا ثم قلبت الألف همزة لئلا تجتمع ألفان " .

واستبعدت هذه القراءة من حيث إن اللغة مبنية على تسهيل الهمز فكيف يتخيلون في قلب الحرف الخفيف إلى أثقل منه ؟ قلت : لا غرو في ذلك ، فقد قلبوا حرف العلة الألف والواو والياء همزة في مواضع لا تحصر إلا بعسر ، إلا أنه هنا ثقيل لاجتماع همزتين . قال أبو شامة : " وهذه قراءة ضعيفة ، فإن قياس اللغة الفرار من اجتماع همزتين إلى تخفيف إحداهما ، فكيف يتخيل بتقديم وتأخير يؤدي إلى اجتماع همزتين لم يكونا في الأصل ؟ هذا خلاف حكم اللغة . " .

وقال أبو بكر ابن مجاهد - وهو ممن على قنبل - : " ابن كثير وحده " ضئاء " بهمزتين في كل القرآن : الهمزة الأولى قبل الألف ، والثانية بعدها ، كذلك قرأت على قنبل وهو غلط ، وكان أصحاب البزي وابن فليح ينكرون هذا ويقرءون " ضياء " مثل الناس " . قلت : كثيرا ما يتجرأ أبو بكر على شيخه ويغلطه ، وسيمر بك مواضع من ذلك ، وهذا لا ينبغي أن يكون ، فإن قنبلا بالمكان الذي يمنع أن يتكلم فيه أحد .

وقوله في جانب الشمس " ضياء " لأن الضوء أقوى من النور ، وقد تقدم [ ص: 153 ] ذلك في أول البقرة . و " ضياء ونورا " يحتمل أن يكونا مصدرين ، وجعلا نفس الكوكبين مبالغة ، أو على حذف مضاف أي : ذات ضياء وذا نور . وضياء يحتمل أن يكون جمع " ضوء " كسوط وسياط ، وحوض حياض .

و " منازل " نصب على ظرف المكان ، وجعله الزمخشري على حذف مضاف : إما من الأول أي : قدر مسيره ، وإما من الثاني أي : قدره ذا منازل ، فعلى التقدير الأول يكون " منازل " ظرفا كما مر ، وعلى الثاني يكون مفعولا ثانيا على تضمين " قدر " معنى : صيره ذا منازل بالتقدير . وقال الشيخ بعد أن ذكر التقديرين ، ولم يعزهما للزمخشري : " أو قدر له منازل ، فحذف ، وأوصل الفعل إليه فانتصب بحسب هذه التقادير على الظرف أو الحال أو المفعول كقوله : والقمر قدرناه منازل وقد سبقه إلى ذلك أبو البقاء أيضا .

والضمير في " قدرناه " يعود على القمر وحده ؛ لأنه هو عمدة العرب في تواريخهم . وقال ابن عطية : " ويحتمل أن يريدهما معا بحسب أنهما يتصرفان في معرفة عدد السنين والحساب ، لكنه اجتزئ بذكر أحدهما كقوله تعالى : والله ورسوله أحق أن يرضوه وكما قال الشاعر :


2572 - رماني بأمر كنت منه ووالدي بريئا ومن أجل الطوي رماني



التالي السابق


الخدمات العلمية