صفحة جزء
[ ص: 181 ] آ . (26) قوله تعالى : ولا يرهق : فيه ثلاثة أوجه ، أحدها : أنها مستأنفة . والثاني : أنها في محل نصب على الحال ، والعامل في هذه الحال الاستقرار الذي تضمنه الجار ، وهو " للذين " لوقوعه خبرا عن " الحسنى " قاله أبو البقاء ، وقدره بقوله : " استقر لهم الحسنى مضموما لهم السلامة " ، وهذا ليس بجائز لأن المضارع متى وقع حالا منفيا بـ " لا " امتنع دخول واو الحال عليه كالمثبت ، وإن ورد ما يوهم ذلك يؤول بإضمار مبتدأ ، وقد تقدم تحقيقه غير مرة . والثالث : أنه في محل رفع نسقا على " الحسنى " ، ولا بد حينئذ من إضمار حرف مصدري يصح جعله معه مخبرا عنه بالجار ، والتقدير : للذين أحسنوا الحسنى ، وأن لا يرهق ، أي : وعدم رهقهم ، فلما حذفت " أن " رفع الفعل المضارع لأنه ليس من مواضع إضمار " أن " ناصبة وهذا كقوله تعالى : ومن آياته يريكم ، أي : أن يريكم ، وقوله : " تسمع بالمعيدي خير من أن تراه " ، وقوله :


2582 - ألا أيهذا الزاجري أحضر الوغى ... ... ... ...

أي : أن أحضر . روي برفع " أحضر " ونصبه . ومنع أبو البقاء هذا الوجه ، فقال : " ولا يجوز أن يكون معطوفا على " الحسنى " لأن الفعل إذا عطف على المصدر احتاج إلى " أن " ذكرا أو تقديرا ، و " أن " غير مقدرة لأن الفعل مرفوع " ، فقوله : " وأن غير مقدرة ، لأن الفعل مرفوع " ليس بجيد لأن قوله تعالى : ومن آياته يريكم معه " أن " مقدرة مع أنه مرفوع ، ولا يلزم من [ ص: 182 ] إضمار " أن " نصب المضارع ، بل المشهور أنه إذا أضمرت " أن " في غير المواضع التي نص النحويون على إضمارها ناصبة ارتفع الفعل ، والنصب قليل جدا .

والرهق : الغشيان . يقال : رهقه يرهقه رهقا ، أي : غشيه بسرعة ، ومنه ولا ترهقني من أمري فلا يخاف بخسا ولا رهقا يقال : رهقته وأرهقته نحو : ردفته وأردفته ، ففعل وأفعل بمعنى ، ومنه : " أرهقت الصلاة " إذا أخرتها حتى غشي وقت الأخرى ، ورجل مرهق ، أي : يغشاه الأضياف . وقال الأزهري : " الرهق " اسم من الإرهاق ، وهو أن يحمل الإنسان على نفسه ما لا يطيق ، ويقال : " أرهقته عن الصلاة " ، أي : أعجلته عنها . وقال بعضهم . أصل الرهق : المقاربة ، ومنه غلام مراهق ، أي : قارب الحلم ، وفي الحديث : " ارهقوا القبلة " ، أي : اقربوا منها ، ومنه " رهقت الكلاب الصيد " ، أي : لحقته .

والقتر والقترة : الغبار معه سواد وأنشدوا للفرزدق :


2583 - متوج برداء الملك يتبعه     موج ترى فوقه الرايات والقترا



أي : غبار العسكر . وقيل : القتر : الدخان ، ومنه " قتار القدر " . وقيل : [ ص: 183 ] القتر : التقليل ومنه لم يسرفوا ولم يقتروا ، ويقال : قترت الشيء وأقترته وقترته ، أي : قللته ، ومنه وعلى المقتر قدره ، وقد تقدم . والقترة : ناموس الصائد . وقيل : الحفرة ، ومنه قول امرئ القيس :


2584 - رب رام من بني ثعل     متلج كفيه في قتره



أي : في حفرته التي يحفرها . وقرأ الحسن وعيسى بن عمر وأبو رجاء والأعمش " قتر " بسكون التاء وهما لغتان قتر وقتر كقدر وقدر .

التالي السابق


الخدمات العلمية