صفحة جزء
آ . (37) قوله تعالى : أن يفترى : فيه وجهان أحدهما : أنه خبر " كان " تقديره : وما كان هذا القرآن افتراء ، أي : ذا افتراء ، إذ جعل نفس المصدر مبالغة ، أو يكون بمعنى مفترى . والثاني : زعم بعضهم أن " أن " هذه هي المضمرة بعد لام الجحود ، والأصل : وما كان هذا القرآن ليفترى ، [ ص: 202 ] فلما حذفت لام الجحود ظهرت " أن " . وزعم أن اللام و " أن " يتعاقبان ، فتحذف هذه تارة ، وتثبت الأخرى . وهذا قول مرغوب عنه ، وعلى هذا القول يكون خبر " كان " محذوفا ، وأن وما في حيزها متعلقة بذلك الخبر ، وقد تقدم تقرير ذلك محررا . و " من دون " متعلق بـ " يفترى " والقائم مقام الفاعل ضمير عائد على القرآن .

قوله ولكن تصديق " تصديق " عطف على خبر كان ، ووقعت " لكن " أحسن موقع إذ هي بين نقيضين : وهما التكذيب والتصديق المتضمن للصدق . وقرأ الجمهور " تصديق " و " تفصيل " بالنصب وفيه أوجه ، أحدها : العطف على خبر " كان " وقد تقدم ذلك ، ومثله : ما كان محمد أبا أحد من رجالكم ولكن رسول الله . والثاني : أنه خبر " كان " مضمرة تقديره : ولكن كان تصديق ، وإليه ذهب الكسائي والفراء وابن سعدان والزجاج . وهذا كالذي قبله في المعنى . والثالث : أنه منصوب على المفعول من أجله لفعل مقدر ، أي : وما كان هذا القرآن أن يفترى ، ولكن أنزل للتصديق . والرابع : أنه منصوب على المصدر بفعل مقدر أيضا . والتقدير : ولكن يصدق تصديق الذي بين يديه من الكتب .

وقرأ عيسى بن عمر : " تصديق " بالرفع ، وكذلك التي في يوسف . ووجهه الرفع على خبر مبتدأ محذوف ، أي : ولكن هو تصديق ، ومثله قول الشاعر : [ ص: 203 ]

2597 - ولست الشاعر السفساف فيهم ولكن مدره الحرب العوان

برفع " مدره " على تقدير : أنا مدره . وقال مكي : " ويجوز عندهما أي - عند الكسائي والفراء - الرفع على تقدير : ولكن هو تصديق " ، قلت : كأنه لم يطلع على أنها قراءة .

وزعم الفراء وجماعة أن العرب إذا قالت : " ولكن " بالواو آثرت تشديد النون ، وإذا لم تكن الواو آثرت التخفيف . وقد ورد في قراءات السبعة التخفيف . وقد ورد في قراءات السبعة التخفيف والتشديد نحو ولكن الشياطين ولكن الله رمى .

قوله : لا ريب فيه فيه أوجه أحدها : أن يكون حالا من " الكتاب " وجاز مجيء الحال من المضاف إليه لأنه مفعول في المعنى . والمعنى : وتفصيل الكتاب منتفيا عنه الريب . والثاني : أنه مستأنف فلا محل له من الإعراب . والثالث : أنه معترض بين " تصديق " وبين من رب العالمين إذ التقدير : ولكن تصديق الذين بين يديه من رب العالمين .

قال الزمخشري : فإن قلت : بم اتصل قوله لا ريب فيه من رب العالمين ؟ قلت : هو داخل في حيز الاستدراك كأنه قيل : ولكن كان تصديقا وتفصيلا منتفيا عنه الريب كائنا من رب العالمين . ويجوز أن يراد به " ولكن كان تصديقا من رب العالمين [وتفصيلا منه لا ريب في ذلك ، فيكون من رب العالمين] متعلقا [ ص: 204 ] بـ " تصديق " و " تفصيل " ويكون لا ريب فيه اعتراضا كما تقول : زيد لا شك فيه كريم " انتهى .

قوله : من رب يجوز فيه أوجه أحدها : أن يكون متعلقا بـ " تصديق " أو بـ " تفصيل " ، وتكون المسألة من باب التنازع ؛ إذ يصح أن يتعلق بكل من العاملين من جهة المعنى . وهذا هو الذي أراد الزمخشري بقوله : " فيكون " من رب " متعلقا بـ " تصديق " و " تفصيل " يعني أنه متعلق بكل منهما من حيث المعنى . وأما من حيث الإعراب فلا يتعلق إلا بأحدهما ، وأما الآخر فيعمل في ضميره كما تقدم تحريره غير مرة ، والإعمال هنا حينئذ إنما هو للثاني بدليل الحذف من الأول . والوجه الثاني : أن " من رب " حال ثانية . والثالث : إنه متعلق بذلك الفعل المقدر ، أي : أنزل للتصديق من رب العالمين .

التالي السابق


الخدمات العلمية