صفحة جزء
آ . (53) قوله تعالى : أحق هو : يجوز أن يكون " حق " مبتدأ و " هو " مرفوعا بالفاعلية سد مسد الخبر ، و " حق " وإن كان في الأصل مصدرا ليس بمعنى اسم فاعل ولا مفعول ، لكنه في قوة " ثابت " فلذلك رفع الظاهر . ويجوز أن يكون " حق " خبرا مقدما و " هو " مبتدأ مؤخرا .

واختلف في " يستنبئونك " هذه هل هي متعدية إلى واحد أو إلى اثنين أو إلى ثلاثة ؟ فقال الزمخشري : " ويستنبئونك فيقول : أحق هو " فظاهر هذه العبارة أنها متعدية لواحد ، وأن الجملة الاستفهامية في محل نصب بذلك القول المضمر المعطوف على " يستنبئونك " وكذا فهم عنه الشيخ أعني تعديها لواحد . وقال مكي : " أحق هو ابتداء وخبر في موضع المفعول الثاني إذا جعلت " يستنبئونك " بمعنى يستخبرونك ، فإذا جعلت " يستنبئونك [ ص: 219 ] بمعنى يستعلمونك كان " أحق هو " ابتداء وخبرا في موضع المفعولين لأن " أنبأ " إذا كان بمعنى أعلم كان متعديا إلى ثلاثة مفعولين يجوز الاكتفاء بواحد ، ولا يجوز الاكتفاء باثنين دون الثالث ، وإذا كانت " أنبأ " بمعنى أخبر تعدت إلى مفعولين ، لا يجوز الاكتفاء بواحد دون الثاني : وأنبأ ونبأ في التعدي سواء " . وقال ابن عطية : " معناه يستخبرونك ، وهو على هذا يتعدى إلى مفعولين أحدهما الكاف ، والآخر في الابتداء والخبر " فعلى ما قال تكون " يستنبئونك " معلقة بالاستفهام ، وأصل استنبأ أن يتعدى إلى مفعولين أحدهما بـ " عن " ، تقول : استنبأت زيدا عن عمرو أي : طلبت منه أن ينبئني عن عمرو . ثم قال : " والظاهر أنها تحتاج إلى مفعولين ثلاثة أحدهما الكاف ، والابتداء والخبر سد مسد المفعولين " . قال الشيخ : " وليس كما ذكر لأن " استعلم " لا يحفظ كونها متعدية إلى مفاعيل ثلاثة ، لا يحفظ " استعلمت زيدا عمرا قائما " فتكون جملة الاستفهام سدت مسد المفعولين ، ولا يلزم من كونها بمعنى " يستعلمونك " أن تتعدى إلى ثلاثة ؛ لأن " استعلم " لا يتعدى إلى ثلاثة كما ذكرنا " .

قلت : قد سبق أبا محمد إلى هذا مكي بن أبي طالب كما قدمت حكايته عنه ، والظاهر جواز ذلك ، ويكون التعدي إلى ثالث قد حصل بالسين ، لأنهم نصوا على أن السين تعدي ، فيكون الأصل : " علم زيد عمرا قائما " ثم تقول : " استعلمت زيدا عمرا قائما " ، إلا أن النحويين نصوا على أنه لا يتعدى إلى ثلاثة إلا " علم " و " رأى " المنقولين بخصوصية همزة التعدي إلى ثالث ، وأنبأ ونبأ وأخبر وخبر وحدث .

[ ص: 220 ] وقرأ الأعمش " آلحق " بلام التعريف . قال الزمخشري : " وهو أدخل في الاستهزاء لتضمنه معنى التعريض بأنه باطل ، ذلك أن اللام للجنس وكأنه قيل : أهو الحق لا الباطل ، أو : أهو الذي سميتموه الحق " .

قوله : إي حرف جواب بمعنى نعم ولكنها تختص بالقسم أي : لا تستعمل إلا في القسم بخلاف نعم . قال الزمخشري : " وإي بمعنى نعم في القسم خاصة كما كان " هل " بمعنى " قد " في الاستفهام خاصة ، وسمعتهم يقولون في التصديق " إيو " فيصلونه بواو القسم ولا ينطقون به وحده " . قال الشيخ : " لا حجة فيما سمعه لعدم الحجة في كلام من سمعه لفساد كلامه وكلام من قبله بأزمان كثيرة " . وقال ابن عطية : " وهي لفظة تتقدم القسم بمعنى نعم ، ويجيء بعدها حرف القسم وقد لا يجيء تقول : إي وربي ، إي ربي " .

قوله : وما أنتم بمعجزين يجوز أن تكون الحجازية ، وأن تكون التميمية ، لخفاء النصب أو الرفع في الخبر . وهذا عند غير الفارسي وأتباعه ، أعني جواز زيادة الباء في خبر التميمية . وهذه الجملة تحتمل وجهين ، أحدهما : أن تكون معطوفة على جواب القسم ، فيكون قد أجاب القسم بجملتين إحداهما مثبتة مؤكدة بـ " إن " واللام ، والأخرى منفية مؤكدة بزيادة الباء . والثاني : أنها مستأنفة سيقت للإخبار بعجزهم عن التعجيز . و " معجز " من أعجز فهو متعد لواحد كقوله تعالى : ولن نعجزه هربا فالمفعول هنا محذوف أي : [ ص: 221 ] بمعجزين الله . وقال الزجاج : " أي : ما أنتم ممن يعجز من يعذبكم " . ويجوز أن يكون استعمل استعمال اللازم ؛ لأنه قد كثر فيه حذف المفعول حتى قالت العرب : " أعجز فلان " : إذا ذهب في الأرض فلم يقدر عليه .

التالي السابق


الخدمات العلمية