صفحة جزء
آ . (66) وقوله تعالى : من في السماوات ومن في الأرض : يجوز أن يراد [به] العقلاء خاصة ، ويكون من باب التنبيه بالأعلى على الأدنى ، وذلك أنه تعالى إذا كان يملك أشرف المخلوقات وهما الثقلان العقلاء من الملائكة والإنس والجن فلأن يملك ما سواهم بطريق الأولى والأحرى . ويجوز أن يراد العموم ، وغلب العاقل على غيره .

[ ص: 235 ] قوله : وما يتبع يجوز في " ما " هذه أن تكون نافية وهو الظاهر . و " شركاء " مفعول " يتبع " ، ومفعول " يدعون " محذوف لفهم المعنى ، والتقدير : وما يتبع الذين يدعون من دون الله آلهة شركاء ، فآلهة مفعول " يدعون " و " شركاء " مفعول " يتبع " ، وهو قول الزمخشري ، قال : " ومعنى وما يتبعون شركاء : وما يتبعون حقيقة الشركاء وإن كانوا يسمونها شركاء ؛ لأن شركة الله في الربوبية محال ، إن يتبعون إلا ظنهم أنها شركاء " . ثم قال : " ويجوز أن تكون " ما " استفهاما ، يعني : وأي شيء يتبعون ، و " شركاء " على هذا نصب بـ " يدعون " ، وعلى الأول بـ " يتبع " وكان حقه " وما يتبع الذين يدعون من دون الله شركاء " فاقتصر على أحدهما للدلالة " .

وهذا الذي ذكره الزمخشري قد رده مكي ابن أبي طالب وأبو البقاء . أما مكي فقال : " انتصب شركاء بـ " يدعون " ومفعول " يتبع " قام مقامه " إن يتبعون إلا الظن لأنه هو ، ولا ينتصب الشركاء بـ " يتبع " لأنك تنفي عنهم ذلك ، والله قد أخبر به عنهم " . وقال أبو البقاء : " وشركاء مفعول " يدعون " ولا يجوز أن يكون مفعول " يتبعون " ؛ لأن المعنى يصير إلى أنهم لم يتبعوا شركاء ، وليس كذلك " .

قلت : معنى كلامهما أنه يؤول المعنى إلى نفي اتباعهم الشركاء ، والواقع أنهم قد اتبعوا الشركاء . وجوابه ما تقدم من أن المعنى أنهم وإن اتبعوا شركاء فليسوا بشركاء في الحقيقة ؛ بل في تسميتهم هم لهم بذلك ، فكأنهم لم يتخذوا شركاء ولا اتبعوهم لسلب الصفة الحقيقية عنهم ، ومثله قولك : " ما رأيت رجلا " ، أي : من يستحق أن يسمى رجلا ، وإن كنت قد [ ص: 236 ] رأيت الذكر من بني آدم . ويجوز أن تكون " ما " استفهامية ، وتكون حينئذ منصوبة بما بعدها ، وقد تقدم قول الزمخشري في ذلك . وقال مكي : " لو جعلت " ما " استفهاما بمعنى الإنكار والتوبيخ كانت اسما في موضع نصب بـ " يتبع " . وقال أبو البقاء نحوه .

ويجوز أن تكون " ما " موصولة بمعنى الذي نسقا على " من " في قوله : ألا إن لله من في السماوات ، قال الزمخشري : " ويجوز أن تكون " ما " موصولة معطوفة على " من " ، كأنه قيل : ولله ما يتبعه الذين يدعون من دون الله شركاء ، أي : وله شركاؤكم " .

ويجوز أن تكون " ما " هذه الموصولة في محل رفع بالابتداء ، والخبر محذوف تقديره : والذي يتبعه المشركون باطل . فهذه أربعة أوجه .

وقرأ السلمي " تدعون " بالخطاب ، وعزاها الزمخشري لعلي ابن أبي طالب . قال ابن عطية : " وهي قراءة غير متجهة " قلت : قد ذكر توجيهها أبو القاسم ، فقال : " ووجهه أن يحمل " وما يتبع " على الاستفهام ، أي : وأي شيء يتبع الذين تدعونهم شركاء من الملائكة والنبيين ، يعني أنهم يتبعون الله تعالى ويطيعونه ، فما لكم لا تفعلون مثل فعلهم كقوله تعالى : أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة أيهم أقرب .

قوله : إن يتبعون " إن " نافية ، و " الظن " مفعول به ، فهو استثناء مفرغ ، [ ص: 237 ] ومفعول الظن محذوف تقديره : إن يتبعون إلا الظن أنهم شركاء ، وعند الكوفيين تكون أل عوضا من الضمير تقديره : " إن يتبعون إلا ظنهم أنهم شركاء . والأحسن أن لا يقدر للظن معمول ؛ إذ المعنى : إن يتبعون إلا الظن لا اليقين .

وقوله : إن يتبعون من قرأ " يدعون " بياء الغيبة فقد جاء بـ " يتبعون " مطابقا له ، ومن قرأ " تدعون " بالخطاب فيكون " يتبعون " التفاتا ، إذ هو خروج من خطاب إلى غيبة .

التالي السابق


الخدمات العلمية