صفحة جزء
آ . (74) قوله تعالى : من بعده : أي : بعد نوح . " بالبينات " [ ص: 245 ] متعلق بـ " جاءوهم " ، أو بمحذوف على أنه حال ، أي : ملتبسين بالبينات . وقوله : " ليؤمنوا " أتى بلام الجحود توكيدا . والضمير في " كذبوا " عائد على من عاد عليه الضمير في " كانوا " وهم قوم الرسل . والمعنى : أن حالهم بعد بعث الرسل كحالهم قبلها في كونهم أهل جاهلية ، وقال أبو البقاء ومكي : " إن الضمير في " كانوا " يعود على قوم الرسل ، وفي " كذبوا " يعود على قوم نوح ، والمعنى : فما كان قوم الرسل ليؤمنوا بما كذب به قوم نوح ، أي : بمثله . ويجوز أن تكون الهاء عائدة على نوح نفسه من غير حذف مضاف ، والتقدير : فما كان قوم الرسل بعد نوح ليؤمنوا بنوح ، إذ لو آمنوا به لآمنوا بأنبيائهم . و " من قبل " متعلق بـ " كذبوا " أي من قبل بعثة الرسل . وقيل : الضمائر كلها تعود على قوم الرسل بمعنى آخر : وهو أنهم بادروا رسلهم بالتكذيب ، كلما جاء رسول لجوا في الكفر وتمادوا عليه فلم يكونوا ليؤمنوا بما سبق به تكذيبهم من قبل لجهم في الكفر وتماديهم .

وقال ابن عطية : " ويحتمل اللفظ عندي معنى آخر ، وهو أن تكون " ما " مصدرية ، والمعنى : فكذبوا رسلهم فكان عقابهم من الله أن لم يكونوا ليؤمنوا بتكذيبهم من قبل ، أي : من سببه ومن جزائه ، ويؤيد هذا التأويل " كذلك نطبع " ، وهو كلام يحتاج لتأمل " . قال الشيخ : " والظاهر أن " ما " موصولة ، ولذلك عاد الضمير عليها في قوله : بما كذبوا به ولو كانت مصدرية بقي الضمير غير عائد على مذكور ، فتحتاج أن يتكلف ما يعود عليه الضمير " . قلت : الشيخ بناه على قول جمهور النحاة في عدم كون " ما " [ ص: 246 ] المصدرية اسما فيعود عليها ضمير ، وقد نبهتك غير مرة أن مذهب الأخفش وابن السراج أنها اسم فيعود عليها الضمير .

وقرأ العامة " نطبع " بالنون الدالة على تعظيم المتكلم . وقرأ العباس بن الفضل بياء الغيبة وهو الله تعالى ، ولذلك صرح به في موضع آخر كذلك يطبع الله . والكاف نعت لمصدر محذوف ، أو حال من ضمير ذلك المصدر على حسب ما عرفته من الخلاف ، أي : مثل ذلك الطبع المحكم الممتنع زواله نطبع على قلوب المعتدين على خلق الله .

التالي السابق


الخدمات العلمية