صفحة جزء
آ . (89) قوله تعالى : أجيبت دعوتكما : الضمير لموسى وهارون ، وفي التفسير : كان موسى يدعو وهارون يؤمن ، فنسب الدعاء إليهما . وقال بعضهم : المراد موسى وحده ، ولكن كنى عن الواحد بضمير الاثنين . وقرأ السلمي والضحاك " دعواتكما " على الجمع . وقرأ ابن السميفع " قد أجبت دعوتكما " بتاء المتكلم وهو الباري تعالى ، و " دعوتكما " نصب على المفعول به . وقرأ الربيع " أجبت دعوتيكما " بتاء المتكلم أيضا . ودعوتيكما تثنية ، وهي تدل لمن قال : إن هارون شارك موسى في الدعاء .

قوله : ولا تتبعان قرأ العامة بتشديد التاء والنون ، وقرأ حفص بتخفيف النون مكسورة مع تشديد التاء وتخفيفها ، وللقراء في ذلك كلام مضطرب بالنسبة للنقل عنه . فأما قراءة العامة فـ " لا " فيها للنهي ولذلك أكد الفعل بعدها ، ويضعف أن تكون نافية لأن تأكيد المنفي ضعيف ، ولا ضرورة [ ص: 262 ] بنا إلى ادعائه ، وإن كان بعضهم قد ادعى ذلك في قوله : لا تصيبن الذين ظلموا لضرورة دعت إلى ذلك هناك ، وقد تقدم تحريره ودليله في موضعه ، وعلى الصحيح تكون هذه جملة نهي معطوفة على جملة أمر .

وأما قراءة حفص فـ " لا " تحتمل أن تكون للنفي وأن تكون للنهي . فإن كانت للنفي كانت النون نون رفع ، والجملة حينئذ فيها أوجه ، أحدها : أنها في موضع الحال أي : فاستقيما غير متبعين ، إلا أن هذا معترض بما قدمته غير مرة من أن المضارع المنفي بـ " لا " كالمثبت في كونه لا تباشره واو الحال ، إلا أن يقدر قبله مبتدأ فتكون الجملة اسمية أي : وأنتما لا تتبعان . والثاني : أنه نفي في معنى النهي كقوله تعالى : لا تعبدون إلا الله . الثالث : أنه خبر محض مستأنف لا تعلق له بما قبله ، والمعنى : أنهما أخبرا بأنهما لا يتبعان سبيل الذين لا يعلمون ، وإن كانت للنهي كانت النون للتوكيد ، وهي الخفيفة ، وهذا لا يراه سيبويه والكسائي ، أعني وقوع النون الخفيفة بعد الألف ، سواء كانت الألف ألف تثنية أو ألف فصل بين نون الإناث ونون التوكيد نحو : " هل تضربنان يا نسوة " . وقد أجاز يونس والفراء وقوع الخفيفة بعد الألف وعلى قولهما تتخرج القراءة . وقيل : أصلها التشديد وإنما خففت للثقل فيها كقولهم : " رب " في " رب " . وأما تشديد التاء وتخفيفها فلغتان من اتبع يتبع وتبع يتبع ، وقد تقدم هل هما بمعنى واحد أو مختلفان في المعنى ؟ وملخصه أن تبعه بشيء : خلفه ، واتبعه كذلك ، إلا أنه حاذاه في المشي ، وأتبعه : لحقه .

التالي السابق


الخدمات العلمية