صفحة جزء
آ . (94) قوله تعالى : فإن كنت : في " إن " هذه وجهان ، الظاهر منهما : أنها شرطية ، ثم استشكلوا على ذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن في شك قط . قال الزمخشري : " فإن قلت كيف قال لرسوله : فإن كنت في شك مع قوله للكفرة : " وإنهم لفي شك منه مريب " ؟ قلت : فرق عظيم بين إثباته الشك لهم على سبيل التوكيد والتحقيق ، وبين قوله : " فإن كنت " بمعنى الفرض والتمثيل " . وقال الشيخ : " وإذا كانت شرطية فقالوا : إنها تدخل على الممكن وجوده أو المحقق وجوده المبهم زمن وقوعه كقوله تعالى : أفإن مت فهم الخالدون . قال " والذي أقوله إن " إن " الشرطية تقتضي تعليق شيء على شيء ، ولا تستلزم تحتم وقوعه ولا إمكانه ، بل قد يكون ذلك في المستحيل عقلا كقوله تعالى : إن كان للرحمن ولد فأنا أول العابدين ، ومستحيل أن يكون له ولد فكذلك [هذا] ، مستحيل أن يكون في شك ، وفي المستحيل عادة كقوله تعالى : فإن استطعت أن تبتغي نفقا في الأرض لكن وقوعها في تعليق المستحيل قليل " . ثم قال : " ولما خفي هذا [ ص: 268 ] الوجه على أكثر الناس اختلفوا في تخريج هذه الآية ، فقال ابن عطية : " الصواب أنها مخاطبة ، والمراد من سواه من أمته ممن يمكن أن يشك أو يعارض " . وقيل : كنى بالشك عن الضيق . وقيل : كنى به عن العجب ، ووجه المجاز فيه أن كلا منهما فيه تردد ، وقال الكسائي : إن كنت في شك أن هذا عادتهم مع الأنبياء فسلهم كيف كان صبر موسى عليه السلام ؟

الوجه الثاني من وجهي " إن " أنها نافية . قال الزمخشري : " أي : فما كنت في شك فاسأل ، يعني لا نأمرك بالسؤال لكونك شاكا ولكن لتزداد يقينا كما ازداد إبراهيم عليه السلام بمعاينة إحياء الموتى . وهذا القول سبقه إليه الحسن البصري والحسين بن الفضل وكأنه فرار من الإشكال المتقدم في جعلها شرطية ، وقد تقدم جوابه من وجوه .

وقرأ يحيى وإبراهيم : " يقرءون الكتب " بالجمع ، وهي مبينة أن المراد بالكتاب الجنس لا كتاب واحد .

التالي السابق


الخدمات العلمية