صفحة جزء
آ . (22) قوله تعالى : لا جرم : في هذه اللفظة خلاف بين النحويين ، ويتلخص ذلك في خمسة أوجه ، أحدها : - وهو مذهب الخليل وسيبويه وجماهير الناس - أنهما ركبتا من " لا " النافية و " جرم " ، وبنيتا على تركيبهما تركيب خمسة عشر ، وصار معناهما معنى فعل وهو " حق " ، فعلى هذا يرتفع ما بعدهما بالفاعلية ، فقوله تعالى : لا جرم أن لهم النار ، أي حق وثبت كون النار لهم ، أو استقرارها لهم . الوجه الثاني : أن " لا جرم " بمنزلة لا رجل ، في كون " لا " نافية للجنس ، و " جرم " اسمها مبني معها على الفتح وهي واسمها في محل رفع بالابتداء وما بعدهما خبر " لا " النافية ، وصار معناها : لا محالة ولا بد .

الثالث : - كالذي قبله - إلا أن " أن " وما بعدها في محل نصب أو جر بعد حذف الجار ، إذ التقدير : لا محالة في أنهم في الآخرة ، أي : في خسرانهم . الرابع : أن " لا " نافية لكلام متقدم تكلم به الكفرة ، فرد الله عليهم ذلك بقوله : " لا " ، كما ترد " لا " هذه قبل القسم في قوله : " لا أقسم " ، وقوله تعالى : فلا وربك لا يؤمنون وقد تقدم تحقيقه ، ثم أتى بعدها بجملة فعلية وهي " جرم أن لهم كذا " . وجرم فعل ماض معناه كسب ، وفاعله مستتر يعود على فعلهم المدلول عليه بسياق الكلام ، و " أن " وما في حيزها في [ ص: 304 ] موضع المفعول به لأن " جرم " يتعدى إذ هو بمعنى كسب . قال الشاعر :


2646 - نصبنا رأسه في جذع نخل بما جرمت يداه وما اعتدينا

أي : بما كسبت ، وقد تقدم تحقيق ذلك في المائدة . وجريمة القوم كاسبهم ، قال :


2647 - جريمة ناهض في رأس نيق     ترى لعظام ما جمعت صليبا

فتقدير الآية : كسبهم - فعلهم أو قولهم - خسرانهم ، وهذا هو قول أبي إسحاق الزجاج ، وعلى هذا فالوقف على قوله : " لا " ثم يبتدأ بـ " جرم " بخلاف ما تقدم .

الوجه الخامس : أن معناها لا صد ولا منع ، وتكون " جرم " بمعنى القطع ، تقول : جرمت ، أي : قطعت ، فيكون " جرم " اسم " لا " مبني معها على الفتح كما تقدم ، وخبرها " أن " وما في حيزها ، أو على حذف حرف الجر ، أي : لا منع من خسرانهم ، فيعود فيه الخلاف المشهور .

وفي هذه اللفظة لغات : يقال لا جرم بكسر الجيم ، ولا جرم بضمها ، ولا جر بحذف الميم ، ولا ذا جرم ، ولا إن ذا جرم ، ولا ذو جرم ، ولا عن ذا جرم ، ولا أن جرم ، ولا عن جرم ، ولا ذا جر والله لا أفعل ذلك .

[ ص: 305 ] وعن أبي عمرو : " لا جرم أن لهم النار " على وزن لا كرم ، يعني بضم الراء ، ولا جر ، قال : " حذفوه لكثرة الاستعمال كما قالوا : " سو ترى " يريدون : سوف .

وقوله : هم الأخسرون يجوز أن يكون " هم " فصلا وأن يكون توكيدا ، وأن يكون مبتدأ وما بعده خبره ، والجملة خبر " أن " .

التالي السابق


الخدمات العلمية