صفحة جزء
آ . (24) قوله تعالى : مثل الفريقين : مبتدأ ، و " كالأعمى " خبره ، ثم هذه الكاف يحتمل أن تكون هي نفس الخبر ، فتقدر بـ " مثل " ، تقديره : مثل الفريقين مثل الأعمى . ويجوز أن تكون " مثل " بمعنى " صفة " ، ومعنى الكاف معنى مثل ، فيقدر مضاف محذوف ، أي : كمثل الأعمى . وقوله : مثل الفريقين كالأعمى يجوز أن يكون من باب تشبيه شيئين بشيئين ، فقابل العمى بالبصر ، والصمم بالسمع وهو من الطباق ، وأن يكون من تشبيه شيء واحد بوصفيه بشيء واحد بوصفيه ، وحينئذ يكون قوله : " كالأعمى والأصم " وقوله " والبصير والسميع " من باب عطف الصفات كقوله :


2650 - إلى الملك القرم وابن الهمام وليث الكتيبة في المزدحم

وقد أحسن الزمخشري في التعبير عن ذلك فقال : " شبه فريق الكافرين بالأعمى والأصم ، وفريق المؤمنين بالبصير والسميع ، وهو من اللف والطباق ، وفيه معنيان : أن يشبه الفريقين تشبيهين اثنين ، كما شبه امرؤ القيس قلوب الطير بالحشف والعناب ، وأن يشبه بالذي جمع بين العمى والصمم ، والذي جمع بين البصر والسمع ، على أن تكون الواو في " والأصم " وفي [ ص: 307 ] " والسميع " لعطف الصفة على الصفة كقوله :


2651 - ... ... ... ... ال     صابح فالغانم فالآئب

قلت : يريد بقوله " اللف " أنه لف المؤمنين والكافرين اللذين هما مشبهان بقوله " الفريقين " ، ولو فسرهما لقال : مثل الفريق المؤمن كالبصير والسميع ، ومثل الكافر كالأعمى والأصم ، وهي عبارة مشهورة في علم البيان : لفظتان متقابلتان : اللف والنشر ، وأشار لقول امرئ القيس وهو :


2652 - كأن قلوب الطير رطبا ويابسا     لدى وكرها العناب والحشف البالي

أصل الكلام : كأن الرطب من قلوب الطير : العناب ، واليابس منها : الحشف ، فلف ونشر ، واللف والنشر في علم البيان تقسيم كبير ، ليس هذا موضعه .

وأشار بقوله " الصابح فالغانم " إلى قوله :


2653 - يا ويح زيابة للحارث ال     صابح فالغانم فالآئب

وقد تقدم ذلك أول البقرة وتحريره .

فإن قلت : لم قدم تشبيه الكافر على المؤمن ؟ أجيب بأن المتقدم ذكر الكفار فلذلك قدم تمثيلهم . فإن قيل : ما الحكمة في العدول عن هذا التركيب لو قيل : كالأعمى والبصير والأصم والسميع لتتقابل كل لفظة مع ضدها ، ويظهر بذلك التضاد ؟ أجيب : بأنه تعالى لما ذكر انسداد العين أتبعه بانسداد الأذن ، ولما ذكر انفتاح العين أتبعه بانفتاح الأذن ، وهذا التشبيه أحد [ ص: 308 ] الأقسام وهو تشبيه أمر معقول بأمر محسوس : وذلك أنه شبه عمى البصيرة وصممها بعمى البصر وصمم السمع ، ذاك متردد في ظلم الضلالات ، كما أن هذا متحيز في الطرقات . وهذه فوائد علم البيان .

قوله : مثلا تمييز ، وهو منقول من الفاعلية ، والأصل : هل يستوي مثلهما ، كقوله تعالى : واشتعل الرأس شيبا . وجوز ابن عطية - رحمه الله - أن يكون حالا ، وفيه بعد صناعة ومعنى ؛ لأنه على معنى " من " لا على معنى " في " .

التالي السابق


الخدمات العلمية