صفحة جزء
آ . (34) قوله تعالى : إن أردت أن أنصح لكم إن كان : قد تقدم حكم توالي الشرطين وأن ثانيهما قيد في الأول . وأنه لا بد من سبقه للأول . وقال الزمخشري هنا : " إن كان الله " جزاؤه ما دل عليه قوله : " لا ينفعكم نصحي " ، وهذا الدليل في حكم ما دل عليه ، فوصل بشرط ، كما وصل الجزاء بالشرط في قوله " إن أحسنت إلي أحسنت إليك إن أمكنني " .

وقال أبو البقاء : " حكم الشرط إذا دخل على الشرط أن يكون الشرط الثاني والجواب جوابا للشرط الأول نحو : " إن أتيتني إن كلمتني أكرمتك " فقولك " إن كلمتني أكرمتك " : جواب " إن أتيتني " جميع ما بعده ، وإذا كان كذلك صار الشرط الأول في الذكر مؤخرا في المعنى ، حتى إن أتاه ثم كلمه لم يجب الإكرام ، ولكن إن كلمه ثم أتاه وجب الإكرام ، وعلة ذلك أن الجواب صار معوقا بالشرط الثاني ، وقد جاء في القرآن منه إن وهبت نفسها للنبي إن أراد النبي .

[ ص: 320 ] قلت : أما قوله : " إن وهبت ... أن أراد " فظاهره - وظاهر القصة المروية - يدل على عدم اشتراط تقدم الشرط الثاني على الأول ، وذلك أن إرادته عليه السلام للنكاح إنما هو مرتب على هبة المرأة نفسها له ، وكذا الواقع في القصة لما وهبت أراد نكاحها ، ولم يرو أنه أراد نكاحها فوهبت ، وهو يحتاج إلى جواب ، وسيأتي هذا إن شاء الله في موضعه .

وقال ابن عطية هنا : " وليس نصحي لكم بنافع ، ولا إرادتي الخير لكم مغنية إذا أراد الله تعالى بكم الإغواء ، والشرط الثاني اعتراض بين الكلام ، وفيه بلاغة من اقتران الإرادتين ، وأن إرادة البشر غير مغنية ، وتعلق هذا الشرط هو " بنصحي " ، وتعلق الآخر بـ " لا ينفع " .

وتلخص من ذلك أن الشرط مدلول على جوابه بقوله : " ولا ينفعكم " لأنه عقبه ، وجواب الثاني أيضا ما دل على جواب الأول ، وكأن التقدير : وإن أردت أن أنصح لكم إن كان الله يريد أن يغويكم فلا ينفعكم نصحي . وهو من حيث المعنى كالشرط إذا كان بالفاء نحو : إن كان الله يريد أن يغويكم فإن أردت أن أنصح لكم فلا ينفعكم نصحي .

وقرأ الجمهور " نصحي " بضم النون وهو يحتمل وجهين ، أحدهما : المصدرية كالشكر والكفر . والثاني : أنه اسم لا مصدر . وقرأ عيسى ابن عمر " نصحي " بفتح النون ، وهو مصدر فقط .

وفي غضون كلام الزمخشري : " إذا عرف الله " وهذا لا يجوز ؛ لأن الله تعالى لا يسند إليه هذا الفعل ولا يوصف بمعناه ، وقد تقدم علة ذلك غير [ ص: 321 ] مرة . وفي غضون كلام الشيخ " وللمعتزلي أن يقول : لا يتعين أن تكون " إن " شرطية بل هي نافية والمعنى : ما كان الله يريد أن يغويكم " . قلت : لا أظن أحدا يرضى بهذه المقالة وإن كانت توافق مذهبه .

التالي السابق


الخدمات العلمية