صفحة جزء
آ . (42) قوله تعالى : كالجبال : صفة لـ " موج " . قوله : " نوح ابنه " الجمهور على كسر تنوين " نوح " لالتقاء الساكنين . وقرأ وكيع بضمه اتباعا لحركة الإعراب . واسترذل أبو حاتم هذه القراءة وقال : " هي لغة سوء لا تعرف " .

وقرأ العامة " ابنه " بوصل هاء الكناية بواو ، وهي اللغة الفصيحة الفاشية . وقرأ ابن عباس بسكون الهاء . قال بعضهم : " هذا مخصوص بالضرورة وأنشد :


2662 - وأشرب الماء ما بي نحوه عطش إلا لأن عيونه سيل واديها

وبعضهم لا يخصه بها . وقال ابن عطية : إنها لغة لأزد السراة ومنه قوله :


2663 - ... ... ... ...     ومطواي مشتاقان له أرقان



وقال بعضهم : " هي لغة عقيل وبني كلاب " .

[ ص: 329 ] وقرأ السدي : " ابناه " بألف وهاء السكت . قال ابن جني : " وهو على النداء " . وقال أبو البقاء : " ابناه : على الترثي وليس بندبة ، لأن الندبة لا تكون بالهمزة " وهو كلام مشكل في نفسه ، وأين الهمزة هنا ؟ إن عنى همزة النداء فلا نسلم أن المقدر من حروف النداء هو الهمزة ، لأن النحاة نصوا على أنه لا يضمر في حروف النداء إلا " يا " لأنها أم الباب . وقوله : " الترثي " هو قريب في المعنى من الندبة . وقد نصوا على أنه لا يجوز حذف النداء من المندوب وهذا شبيه به .

وقرأ علي عليه السلام : " ابنها " إضافة إلى امرأته كأنه اعتبر قوله " ليس من أهلك " . وقوله : " ابني " و " من أهلي " لا يدل له لاحتمال أن يكون ذلك لأجل الحنو ، وهو قول الحسن وجماعة .

وقرأ محمد بن علي وعروة والزبير : " ابنه " بهاء مفتوحة دون ألف ، وهي كالقراءة قبلها ، إلا أنه حذف ألف " ها " مجتزئا عنها بالفتحة ، كما تحذف الياء مجتزأ عنها بالكسرة . قال ابن عطية : " هي لغة " وأنشد :


2664 - أما تقود بها شاة فتأكلها     أو أن تبيعه في بعض الأراكيب

يريد : " تبيعها " فاجتزأ بالفتحة عن الألف ، كما اجتزأ الآخر عنها في قوله : أنشده ابن الأعرابي على ذلك - [ ص: 330 ]

2665 - فلست براجع ما فات مني     بلهف ولا بليت ولا لواني

يريد : يا لهفا ، فحذف ، وهذا يخصه بعضهم بالضرورة ، ويمنع في السعة يا غلام في يا غلاما . قلت : وسيأتي في نحو : " يا أبت " بالفتح : هل ثم ألف محذوفة أم لا ؟ وتقدم لنا خلاف في نحو : يا بن أم ويا بن عم : هل ثم ألف محذوفة مجتزأ عنها بالفتحة أم لا ؟ فهذا أيضا كذلك ، ولكن الظاهر عدم اقتياسه .

وقد خطأ النحاس أبا حاتم في حذف هذه الألف ، وفيه نظر .

قوله : وكان في معزل جملة في موضع نصب على الحال ، وصاحبها هو " ابنه " ، والحال تأتي من المنادى لأنه مفعول . والمعزل بكسر الزاي اسم مكان العزلة . وكذلك اسم الزمان أيضا ، وبالفتح هو المصدر . قال أبو البقاء : " ولم أعلم أحدا قرأ بالفتح " . قلت : لأن المصدر ليس حاويا له ولا ظرفه ، فكيف يقرأ به إلا بمجاز بعيد ؟

وقرأ البزي وقالون وخلاد بإظهار ياء " اركب " قبل ميم " معنا " بخلاف عنهم ، والباقون بالإدغام ، وقرأ عاصم هنا " يا بني " بفتح الياء . وأما في غير هذه السورة فإن حفصا عنه فعل ذلك ، والباقون بكسر الياء في جميع القرآن إلا ابن كثير فإنه في الأول من لقمان وهو قوله : لا تشرك بالله فإنه سكنه وصلا ووقفا ، وفي الثاني كغيره أعني أنه يكسر ياءه ، وحفص على أصله من فتحه . وفي الثالث وهو قوله : يا بني أقم الصلاة اختلف عنه ، فروى [ ص: 331 ] عنه البزي كحفص ، وروى عنه قنبل السكون كالأول . هذا ضبط القراءة .

وأما تخريجها فمن فتح فقيل : أصلها : يا بنيا بالألف فحذفت الألف تخفيفا ، اجتزأ عنها بالفتحة ، وقد تقدم من ذلك أمثلة كثيرة . وقيل بل حذفت لالتقاء الساكنين ؛ لأنها وقع بعدها راء " اركب " وهذا تعليل فاسد جدا ، بدليل سقوطها في سورة لقمان في ثلاثة مواضع حيث لا ساكنان . وكأن هذا المعلل لم يعلم بقراءة عاصم في غير هذه السورة ، ولا بقراءة البزي للأخير في لقمان ، وقد نقل ذلك أبو البقاء ولم ينكره .

وأما من كسر فحذفت الياء أيضا : إما تخفيفا وهو الصحيح ، وإما لالتقاء الساكنين ، وقد تقدم فساده . وأما من سكن فلما رأى من الثقل مع مطلق الحركة ، ولا شك أن السكون أخف من أخف الحركات ، ولا يقال : فلم وافق ابن كثير غير حفص في ثاني لقمان ، ووافق حفصا في الأخيرة في رواية البزي عنه ، وسكن الأول ؟ لأن ذلك جمع بين اللغات ، والمفرق آت بمحال .

وأصل هذه اللفظة بثلاث ياءات : الأولى للتصغير ، والثانية لام الكلمة ، وهل هي ياء بطريق الأصالة أو مبدلة من واو ؟ خلاف تقدم تحقيقه أول هذا الموضوع في لام " ابن " ما هي ؟ ، والثالثة ياء المتكلم مضاف إليها ، وهي التي طرأ عليها القلب ألفا ثم الحذف ، أو الحذف وهي ياء بحالها .

التالي السابق


الخدمات العلمية