صفحة جزء
آ . (46) قوله تعالى : عمل غير صالح : قرأ الكسائي " عمل " فعلا ماضيا ، و " غير " نصبا ، والباقون " عمل " بفتح الميم وتنوينه على أنه اسم ، و " غير " بالرفع . فقراءة الكسائي : الضمير فيها يتعين عوده على ابن نوح ، وفاعل " عمل " ضمير يعود عليه أيضا ، و " غير " مفعول به . ويجوز أن يكون نعتا لمصدر محذوف ، تقديره : عمل عملا غير صالح كقوله واعملوا صالحا .

وأما قراءة الباقين ففي الضمير أوجه ، أظهرها : أنه عائد على ابن نوح ، ويكون في الإخبار عنه بالمصدر المذاهب الثلاثة في " رجل عدل " . والثاني : أنه يعود على النداء المفهوم من قوله " ونادى " ، أي : نداؤك وسؤالك . وإلى هذا ذهب أبو البقاء ومكي والزمخشري . وهذا فيه خطر عظيم ، كيف يقال ذلك في حق نبي من الأنبياء ، فضلا عن أول رسول أرسل إلى أهل الأرض من بعد آدم عليهما السلام ؟ ولما حكاه أبو القاسم قال : " وليس [ ص: 337 ] بذاك " ولقد أصاب . واستدل من قال بذلك أن في حرف عبد الله بن مسعود " إنه عمل غير صالح أن تسألني ما ليس لك به علم " وهذا مخالف للسواد .

الثالث : أنه يعود على ركوب ابن نوح المدلول عليه بقوله " اركب معنا " . الرابع : أنه يعود على تركه الركوب وكونه مع المؤمنين ، أي : إن تركه الركوب مع المؤمنين وكونه مع الكافرين عمل غير صالح ، وعلى الأوجه الثلاثة لا يحتاج في الإخبار بالمصدر [إلى] تأويل ، لأن كليهما معنى من المعاني ، وعلى الوجه الرابع يكون من كلام نوح عليه السلام ، أي : إن نوحا قال : إن كونك مع الكافرين وتركك الركوب معنا غير صالح ، بخلاف ما تقدم فإنه من قول الله تعالى فقط ، هكذا قال مكي وفيه نظر ، بل الظاهر أن الكل من كلام الله تعالى . قال الزمخشري : " فإن قلت : هلا قيل : إنه عمل فاسد . قلت : لما نفاه عن أهله نفى عنه صفتهم بكلمة النفي التي يستبقي معها لفظ المنفي ، وآذن بذلك أنه إنما أنجى من أنجى لصلاحهم لا لأنهم أهلك .

قوله : فلا تسألني قرأ نافع وابن عامر " فلا تسألن " بتشديد النون مكسورة من غير ياء . وابن كثير بتشديدها مع الفتح ، وأبو عمرو والكوفيون بنون مكسورة خفيفة ، وياء وصلا [لأبي عمرو] ، ودون ياء في [الحالين] للكوفيين . وفي الكهف فلا تسألني عن شيء قرأه أبو عمرو [ ص: 338 ] والكوفيون كقراءتهم هنا ، وافقهم ابن كثير في الكهف ، وأما نافع وابن عامر فكقراءتهما هنا ، ولابن ذكوان خلاف في ثبوت الياء وحذفها ، وإنما قرأ ابن كثير التي في هود بالفتح دون التي في الكهف ؛ لأن الياء في هود ساقطة في الرسم ، فكانت قراءته بفتح النون محتملة بخلاف الكهف فإن الياء ثابتة في الرسم فلا يوافق فيه فتحها .

وقد تقدم خلاف ابن ذكوان في ثبوت الياء في الكهف .

فمن خفف النون فهي نون الوقاية وحدها ، ومن شددها فهي نون التوكيد . وابن كثير لم يجعل في هود الفعل متصلا بياء المتكلم ، والباقون جعلوه ، فلزمهم الكسر . وقد تقدم أن " سأل " يتعدى لاثنين أولهما ياء المتكلم ، والثاني ما ليس لك به علم .

قوله أن تكون على حذف حرف الجر ، أي : من أن تكون أو لأجل أن ، وقوله ما ليس لك به علم يجوز في " به " أن يتعلق بـ " علم " . قال الفارسي : " ويكون مثل قوله :


2669 - كان جزائي بالعصا أن أجلدا



ويجوز أن يتعلق بالاستقرار الذي تعلق به " لك " . والباء بمعنى " في " ، أي : ما ليس لك به علم . وفيه نظر .

التالي السابق


الخدمات العلمية