صفحة جزء
آ . (88) قوله تعالى : أرأيتم : قد تقدم ذلك غير مرة . وقال [ ص: 374 ] الزمخشري هنا : " فإن قلت : أين جواب " أرأيتم " وما له لم يثبت كما ثبت في قصة نوح وصالح ؟ قلت : جوابه محذوف ، وإنما لم يثبت لأن إثباته في القصتين دل على مكانه ، ومعنى الكلام ينادي عليه ، والمعنى : أخبروني إن كنت على حجة واضحة ويقين من ربي و [كنت] نبيا على الحقيقة ، أيصح أن لا آمركم بترك عبادة الأوثان والكف عن المعاصي ، والأنبياء لا يبعثون إلا لذلك ؟ " .

قال الشيخ : " وتسمية هذا جوابا ل " أرأيتم " ليس بالمصطلح ، بل هذه الجملة التي قدرها في موضع المفعول الثاني ل " أرأيتم " [لأن أرأيتم] إذا ضمنت معنى أخبرني تعدت إلى مفعولين ، والغالب في الثاني أن يكون جملة استفهامية ينعقد منها ومن المفعول الأول في الأصل جملة ابتدائية كقول العرب : " أرأيتك زيدا ما صنع " وقال الحوفي : " وجواب الشرط محذوف لدلالة الكلام عليه تقديره : أأعدل عما أنا عليه " . وقال ابن عطية : " وجواب الشرط الذي في قوله " أن كنت " محذوف تقديره : أضل كما ضللتم أو أترك تبليغ الرسالة ، ونحو هذا مما يليق بهذه المحاجة " . قال الشيخ : " وليس قوله " أضل " جوابا للشرط ؛ لأنه إن كان مثبتا فلا يمكن أن يكون جوابا لأنه لا يترتب على الشرط ، وإن كان استفهاما حذف منه الهمزة [ ص: 375 ] فهو في موضع المفعول الثاني لـ " أرأيتم " ، وجواب الشرط محذوف يدل عليه الجملة السابقة مع متعلقها .

قوله : أن أخالفكم قال الزمخشري : " خالفني فلان إلى كذا : إذا قصده وأنت مول عنه ، وخالفني عنه : إذا ولى عنه وأنت قاصده ، ويلقاك الرجل صادرا عن الماء فتسأله عن صاحبه فيقول : " خالفني إلى الماء " ، يريد أنه ذاهب إليه واردا ، وأنا ذاهب عنه صادرا ، ومنه قوله تعالى : وما أريد أن أخالفكم إلى ما أنهاكم عنه يعني أن أسبقكم إلى شهواتكم التي نهيتكم عنها لأستبد بها دونكم " . وهذا الذي ذكره أبو القاسم معنى حسن لطيف ولم يتعرض لإعراب مفرداته ، لأن بفهم المعنى يفهم الإعراب ولنذكر ما فيه :

فأقول : يجوز أن يكون " أن أخالفكم " في موضع مفعول بـ " أريد " ، أي : وما أريد مخالفتكم ، ويكون فاعل بمعنى فعل نحو : جاوزت الشيء وجزته ، أي : وما أريد أن أخالفكم ، أي : أكون خلفا منكم . وقوله : إلى ما أنهاكم يتعلق بـ " أخالفكم " ، ويجوز أن يتعلق بمحذوف على أنه حال ، أي : مائلا إلى ما أنهاكم عنه ، ولذلك قدر بعضهم محذوفا يتعلق به هذا الجار تقديره : وأميل إلى أن أخالفكم ، ويجوز أن يكون " أن أخالفكم " مفعولا من أجله ، وتتعلق " إلى " بقوله " أريد " بمعنى : وما أقصد لأجل مخالفتكم إلى ما أنهاكم عنه ، ولذلك قال الزجاج : " وما أقصد بخلافكم إلى ارتكاب ما أنهاكم عنه .

ويجوز أن يراد بأن أخالفكم معناه من المخالفة ، وتكون في موضع المفعول به بأريد ، ويقدر مائلا إلى .

[ ص: 376 ] قوله : ما استطعت يجوز في " ما " هذه وجوه ، أحدها : أن تكون مصدرية ظرفية أي : مدة استطاعتي . الثاني : أن تكون " ما " موصولة بمعنى الذي بدلا من " الإصلاح " والتقدير : إن أريد إلا المقدار الذي أستطيعه من الصلاح . الثالث : أن يكون على حذف مضاف ، أي : إلا الإصلاح إصلاح ما استطعت ، وهو أيضا بدل . الرابع : أنها مفعول بها بالمصدر المعرف ، أي : إن أريد إلا أن أصلح ما استطعت إصلاحه كقوله :


2697 - ضعيف النكاية أعداءه يخال الفرار يراخي الأجل

ذكر هذه الأوجه الثلاثة الزمخشري ، إلا أن إعمال المصدر المعرف قليل عند البصريين ، ممنوع إعماله في المفعول به عند الكوفيين . وتقدم الجاران في " عليه " و " إليه " للاختصاص أي : عليه لا على غيره ، وإليه لا إلى غيره .

التالي السابق


الخدمات العلمية