صفحة جزء
آ . (114) قوله تعالى : طرفي النهار : ظرف لـ " أقم " . ويضعف أن يكون ظرفا للصلاة ، كأنه قيل : أي : أقم الصلاة الواقعة في هذين الوقتين ، [ ص: 420 ] والطرف وإن لم يكن ظرفا ، ولكنه لما أضيف إلى الظرف أعرب بإعرابه ، وهو كقولك : " أتيته أول النهار وآخره ونصف الليل " بنصب هذه كلها على الظرف لما أضيفت إليه ، وإن كانت ليست موضوعة للظرفية .

وقرأ العامة " زلفا " بضم الزاي وفتح اللام ، وهي جمع " زلفة " بسكون اللام ، نحو : غرف في جمع غرفة ، وظلم في جمع ظلمة . وقرأ أبو جعفر وابن أبي إسحاق بضمها ، وفي هذه القراءة ثلاثة أوجه ، أحدها : أنه جمع زلفة أيضا ، والضم للإتباع ، كما قالوا بسرة وبسر بضم السين إتباعا لضمة الباء . والثاني : أنه اسم مفرد على هذه الزنة كعنق ونحوه ، الثالث : أنه جمع زليف ، قال أبو البقاء : " وقد نطق به " ، يعني أنهم قالوا : زليف ، وفعيل يجمع على فعل نحو : رغيف ورغف ، وقضيب وقضب .

وقرأ مجاهد وابن محيصن بإسكان اللام . وفيها وجهان ، أحدهما : أنه يحتمل أن تكون هذه القراءة مخففة من ضم العين فيكون فيها ما تقدم . والثاني : أنه سكون أصل من باب اسم الجنس نحو : بسرة وبسر من غير إتباع .

وقرأ مجاهد وابن محيصن أيضا في رواية " وزلفى " بزنة " حبلى " ، جعلوها على صفة الواحدة المؤنثة اعتبارا بالمعنى ، لأن المعنى على المنزلة الزلفى ، أو الساعة الزلفى ، أي : القريبة . وقد قيل : إنه يجوز أن يكون أبدلا التنوين ألفا ثم أجريا الوصل مجرى الوقف ، فإنهما يقرآن بسكون اللام [ ص: 421 ] وهو محتمل . وقال الزمخشري : " والزلفى بمعنى الزلفة ، كما أن القربى بمعنى القربة " ، يعني أنه مما تعاقب فيه تاء التأنيث وألفه .

وفي انتصاب " زلفا " وجهان ، أظهرهما : أنه نسق على " طرفي " فينتصب الظرف ، إذ المراد بها ساعات الليل القريبة . والثاني : أن ينتصب انتصاب المفعول به نسقا على الصلاة . قال الزمخشري : بعد أن ذكر القراءات المتقدمة " وهو ما يقرب من آخر النهار ومن الليل ، وقيل : زلفا من الليل وقربا من الليل ، وحقها على هذا التفسير أن تعطف على الصلاة ، أي : أقم الصلاة طرفي النهار ، وأقم زلفا من الليل ، على معنى : صلوات تتقرب بها إلى الله عز وجل في بعض الليل " .

والزلفة : أول ساعات الليل ، قاله ثعلب . وقال الأخفش وابن قتيبة : " الزلف : ساعات الليل وآناؤه ، وكل ساعة منه زلفة " فلم يخصصاه بأول الليل . وقال العجاج :


2729 - ناج طواه الأين مما وجفا طي الليالي زلفا فزلفا


سماوة الهلال حتى احقوقفا

وأصل الكلمة من " الزلفى " وهو القرب ، يقال : أزلفه فازدلف ، أي : قربه فاقترب . قال تعالى : وأزلفنا ثم الآخرين وفي الحديث : " [ ص: 422 ] ازدلفوا إلى الله بركعتين " وقال الراغب : " والزلفة : المنزلة والحظوة ، وقد استعملت الزلفة في معنى العذاب كاستعمال البشارة ونحوها ، والمزالف ، المراقي ، وسميت ليلة المزدلفة لقربهم من منى بعد الإفاضة " .

وقوله : من الليل صفة لـ " زلفا " .

التالي السابق


الخدمات العلمية