صفحة جزء
آ . (5) قوله تعالى : لا تقصص : قرأ العامة بفك الصادين وهي لغة الحجاز . وقرأ زيد بن علي بصاد واحدة مشددة ، والإدغام لغة تميم . وقد تقدم تحقيق هذا في المائدة عند قوله ومن يرتدد منكم .

[ ص: 438 ] والرؤيا مصدر كالبقيا . وقال الزمخشري : " الرؤيا بمعنى الرؤية ، إلا أنها مختصة بما كان في النوم دون اليقظة ، فرق بينهما بحرفي التأنيث كما قيل القربة والقربى " .

وقرأ العامة " الرؤيا " بهمز من غير إمالة ، وقرأها الكسائي في رواية الدوري عنه بالإمالة . وأما الرؤيا ورؤياي الاثنتان في هذه السورة فأمالهما الكسائي من غير خلاف في المشهور ، وأبو عمرو يبدل هذه الهمزة واوا في طريق السوسي . وقال الزمخشري : " وسمع الكسائي " رياك " و " رياك " بالإدغام وضم الراء وكسرها ، وهي ضعيفة لأن الواو في تقدير الهمزة فلم يقو إدغامها كما لم يقو إدغام " اتزر " من الإزار واتجر من الأجر " يعني أن العارض لا يعتد به ، وهذا هو الغالب . وقد اعتد القراء بالعارض في مواضع ستقف بها على أشياء إن شاء الله نحو " ريا " في قوله أثاثا ورءيا عند حمزة ، و عادا الأولى .

[ ص: 439 ] وأما كسر " رياك " فلئلا يؤدي إلى ياء ساكنة بعد ضمة ، وأما الضم فهو الأصل ، والياء قد استهلكت بالإدغام .

قوله : فيكيدوا منصوب في جواب النهي وهو في تقدير شرط وجزاء ، ولذلك قدره الزمخشري بقوله : " إن قصصتها عليهم كادوك " . و " كيدا " فيه وجهان ، أحدهما : وهو الظاهر أنه مصدر مؤكد ، وعلى هذا ففي اللام في قوله " لك " خمسة أوجه ، أحدها : أن يكون " يكيد " ضمن " معنى ما يتعدى باللام ؛ لأنه في الأصل متعد بنفسه قال تعالى : فكيدوني جميعا والتقدير : فيحتالوا لك بالكيد . قال الزمخشري مقررا لهذا الوجه : " فإن قلت : هلا قيل : فيكيدوك كما قيل فكيدوني . قلت : ضمن معنى فعل يتعدى باللام ليفيد معنى فعل الكيد مع إفادة معنى الفعل المضمن فيكون آكد وأبلغ في التخويف وذلك نحو : فيحتالوا لك ، ألا ترى إلى تأكيده بالمصدر " .

الوجه الثاني من أوجه اللام : أن تكون معدية ، ويكون هذا الفعل مما يتعدى بحرف الجر تارة ، وبنفسه أخرى كنصح وشكر ، كذا قاله الشيخ وفيه نظر ، لأن ذاك باب لا ينقاس إنما يقتصر فيه على ما ذكره النحاة ولم يذكروا منه " كاد " .

الثالث : أن اللام زائدة في المفعول به كزيادتها في قوله ردف لكم قاله أبو البقاء وهو ضعيف ؛ لأن اللام لا تزاد إلا بأحد شرطين : تقديم المعمول أو كون العامل فرعا .

[ ص: 440 ] الرابع : أن تكون اللام للعلة ، أي : فيكيدوا من أجلك ، وعلى هذا فالمفعول محذوف اقتصارا أو اختصارا .

الخامس : أن تتعلق بمحذوف ، لأنها حال من : " كيدا " إذ هي في الأصل يجوز أن تكون صفة لو تأخرت " .

الوجه الثاني من وجهي " كيدا " أن يكون مفعولا به ، أي : فيصنعوا لك كيدا ، أي : أمرا يكيدونك به ، وهو مصدر في موضع الاسم ومنه فأجمعوا كيدكم ، أي : ما تكيدون به ، ذكره أبو البقاء وليس بالبين ، وعلى هذا ففي اللام في " لك " وجهان فقط : كونها صفة في الأصل ثم صارت حالا ، أو هي للعلة ، وأما الثلاثة الباقية فلا تتأتى وامتناعها واضح .

التالي السابق


الخدمات العلمية