صفحة جزء
آ . (32) قوله تعالى : فذلكن : مبتدأ والموصول خبره ، أشارت إليه إشارة البعيد وإن كان حاضرا تعظيما له ورفعا منه لتظهر عذرها في شغفها .

وجوز ابن عطية أن يكون " ذلك " [إشارة إلى] حب يوسف ، والضمير في " فيه " عائد على الحب فيكون " ذلك " إشارة إلى غائب على بابه . قلت : يعني بالغائب البعيد ، وإلا فالإشارة لا تكون إلا لحاضر مطلقا .

[ ص: 491 ] قوله : ما آمره في " ما " وجهان ، أحدهما : أنها مصدرية . والثاني : أنها موصولة ، وهي مفعول بها بقوله : " يفعل " والهاء في " آمره " تحتمل وجهين ، أحدهما : العود على " ما " الموصولة إذا جعلناها بمعنى الذي . والثاني : العود على يوسف . ولم يجوز الزمخشري عودها على يوسف إلا إذا جعلت " ما " مصدرية " فإنه قال : " فإن قلت : الضمير في " آمره " راجع إلى الموصول أم إلى يوسف ؟ قلت : بل إلى الموصول والمعنى : ما آمر به فحذف الجار كما في قوله :


2790 - أمرتك الخير ... ... ... ... ... ... ... ...

ويجوز أن تجعل " ما " مصدرية فيعود على يوسف ، ومعناه : ولئن لم يفعل أمري إياه ، أي : موجب أمري ومقتضاه " . قلت : وعلى هذا فالمفعول الأول محذوف تقديره : ما آمره به وهو ضمير يوسف .

والسين في " استعصم " [فيها وجهان ، أحدهما : أنها] ليست على بابها من الطلب ، بل استفعل هنا بمعنى افتعل ، فاستعصم واعتصم واحد . وقال الزمخشري : " الاستعصام بناء مبالغة يدل على الامتناع البليغ والتحفظ الشديد ، كأنه في عصمة وهو يجتهد في الاستزادة منها ، ونحو : استمسك واستوسع الفتق ، استجمع الرأي ، واستفحل الخطب " ، فرد السين إلى بابها من الطلب وهو معنى حسن ، ولذلك قال ابن عطية : " طلب العصمة واستمسك بها وعصاني " .

[ ص: 492 ] قال الشيخ : " والذي ذكره التصريفيون في " استعصم " أنه موافق لـ " اعتصم " فاستفعل فيه موافق لـ " افتعل " ، وهذا أجود من جعل استفعل فيه للطلب لأن " اعتصم " يدل على وجود اعتصامه ، وطلب العصمة لا يدل على حصولها ، وأما أنه بناء مبالغة يدل على الاجتهاد في الاستزادة من العصمة فلم يذكر التصريفيون هذا المعنى لـ " استفعل " ، وأما استمسك واستوسع واستجمع الرأي فاستفعل فيه لموافقة افتعل ، والمعنى : امتسك واتسع واجتمع ، وأما " استفحل الخطب " فاستفعل فيه موافقة لتفعل ، أي : تفحل الخطب ، نحو استكبر وتكبر " .

وقرأ العامة بتخفيف نون " وليكونن " ، ويقفون عليها بالألف إجراء لها مجرى التنوين ، ولذلك يحذفونها بعد ضمة أو كسرة نحو : " هل تقومون " و " هل تقومين " في : " هل تقومن " و " هل تقومن " ، والنون الموجودة في الوقف نون الرفع رجعوا بها عند عدم ما يقتضي حذفها ، وقد قررت ذلك فيما تقدم .

وقرأت فرقة بتشديدها ، وفيها مخالفة لسواد المصحف لكتبها فيه ألفا ، لأن الوقف عليها كذلك كقوله :


2791 - وإياك والميتات لا تقربنها     ولا تعبد الشيطان والله فاعبدا

أي : فاعبدن فأبدلها ألفا ، وهو أحد الأقوال في قول امرئ القيس :


2792 - قفا نبك ... ... ... ...      ... ... ... ...

[ ص: 493 ] وأجرى الوصل مجرى الوقف .

التالي السابق


الخدمات العلمية