صفحة جزء
[ ص: 521 ] آ . (66) قوله تعالى : لتأتنني به : هذا جواب للقسم المضمر في قوله : " موثقا " لأنه في معنى : حتى تحلفوا لي لتأتنني به .

قوله : إلا أن يحاط بكم في هذا الاستثناء أوجه أحدها : أنه منقطع ، قاله أبو البقاء ، يعني فيكون تقدير الكلام : لكن إذا أحيط بكم خرجتم من عتبي وغضبي عليكم إن لم تأتوني به لوضوح عذركم .

الثاني : أنه متصل وهو استثناء من المفعول له العام . قال الزمخشري : " فإن قلت أخبرني عن حقيقة هذا الاستثناء ففيه إشكال . قلت : أن يحاط بكم مفعول له ، والكلام المثبت الذي هو قوله " لتأتنني به " في معنى النفي معناه : لا تمتنعون من الإتيان به إلا للإحاطة بكم ، أو لا تمتنعون منه لعلة من العلل إلا لعلة واحدة وهي أن يحاط بكم ، فهو استثناء من أعم العام في المفعول له ، والاستثناء من أعم العام لا يكون إلا في النفي وحده ، فلا بد من تأويله بالنفي ، ونظيره في الإثبات المتأول بمعنى النفي قولهم : " أقسمت بالله لما فعلت وإلا فعلت " ، تريد : ما أطلب منك إلا الفعل " ولوضوح هذا الوجه لم يذكر غيره .

والثالث : أنه مستثنى من أعم العام في الأحوال . قال أبو البقاء : " تقديره : لتأتنني به على كل حال إلا في حال الإحاطة بكم " . قلت : قد نصوا على أن " أن " الناصبة للفعل لا تقع موقع الحال ، وإن كانت مؤولة بمصدر يجوز أن تقع موقع الحال ، لأنهم لم يغتفروا في المؤول ما يغتفرونه في [ ص: 522 ] الصريح فيجيزون : جئتك ركضا ، ولا يجيزون : جئتك أن أركض ، وإن كان في تأويله .

الرابع : أنه مستثنى من أعم العام في الأزمان والتقدير : لتأتنني به في كل وقت لا في وقت الإحاطة بكم . وهذه المسألة تقدم فيها خلاف ، وأن أبا الفتح أجاز ذلك ، كما يجوزه في المصدر الصريح ، فكما تقول : " أتيتك صياح الديك " يجيز " أن يصيح الديك " وجعل من ذلك قول تأبط شرا :


2806 - وقالوا لا تنكحيه فإنه لأول نصل أن يلاقي مجمعا

وقول أبي ذؤيب الهذلي :


2807 - وتالله ما إن شهلة أم واجد     بأوجد مني أن يهان صغيرها

قال : " تقديره : وقت ملاقاته الجمع ، ووقت إهانة صغيرها " . قال الشيخ : " فعلى ما قاله يجوز تخريج الآية ، ويبقى " لتأتنني به " على ظاهره من الإثبات " . قلت : الظاهر من هذا أنه استثناء مفرغ ، ومتى كان مفرغا وجب تأويله بالنفي .

ومنع ابن الأنباري من ذلك في " أن " وفي " ما " أيضا قال : " فيجوز أن تقول : خروجنا صياح الديك ، ولا يجوز خروجنا أن يصيح ، أو : ما يصيح الديك : فاغتفر في الصريح ما لم يغتفر في المؤول " . وهذا قياس ما قدمته في منع وقوع " أن " وما في حيزها موقع الحال ، ولك أن تفرق ما بينهما بأن الحال تلزم التنكير ، وأن وما في حيزها نصوا على أنها في رتبة المضمر في [ ص: 523 ] التعريف ، فينافي وقوعها موقع الحال بخلاف الظرف ، فإنه لا يشترط تنكيره ، فلا يمتنع وقوع " أن " وما في حيزها موقعه .

التالي السابق


الخدمات العلمية