صفحة جزء
آ . (90) قوله تعالى : أإنك : قرأ ابن كثير ، إنك " بهمزة واحدة والباقون بهمزتين استفهاما ، وقد عرفت قراءاتهم في هاتين الهمزتين تخفيفا وتسهيلا وغير ذلك . فأما قراءة ابن كثير فيحتمل أن تكون خبرا محضا ، واستبعد هذا من حيث تخالف القراءتين مع أن القائل واحد ، وقد أجيب عن ذلك بأن بعضهم قاله استفهاما ، وبعضهم قاله خبرا ، ويحتمل أن تكون استفهاما حذفت منه الأداة لدلالة السياق ، والقراءة الأخرى عليه . وقد تقدم لك نحو من هذا في الأعراف . و " لأنت " يجوز أن تكون " أنت " مبتدأ و " يوسف " خبره ، والجملة خبر " إن " دخلت عليها لام الابتداء . ويجوز أن يكون فصلا ، ولا يجوز أن يكون تأكيدا لاسم إن ؛ لأن هذه اللام لا تدخل على التوكيد .

وقرأ أبي : " أإنك أو أنت يوسف " ، وفيها وجهان ، أحدهما ما قاله أبو الفتح : من أن الأصل أإنك لغير يوسف أو أنت يوسف ، فحذف خبر " إن " لدلالة المعنى عليه . الثاني ما قاله الزمخشري : وهو إنك يوسف أو أنت يوسف " فحذف الأول لدلالة الثاني عليه ، وهذا كلام متعجب مستغرب لما يسمع فهو يكرر الاستثبات " .

[ ص: 552 ] قوله : يتق قرأ قنبل " يتقي " بإثبات الياء وصلا ووقفا ، والباقون بحذفها فيهما . وأما قراءة الجماعة فواضحة لأنه مجزوم . وأما قراءة قنبل فاختلف فيها الناس على قولين ، أجودهما : أن إثبات حرف العلة في الحركة لغة لبعض العرب ، وأنشدوا على ذلك قول قيس ابن زهير :


2826 - ألم يأتيك والأنباء تنمي بما لاقت لبون بني زياد

وقول الآخر :


2827 - هجوت زبان ثم جئت معتذرا     من هجو زبان لم تهجو ولم تدع

وقول الآخر :


2828 - إذا العجوز غضبت فطلق     ولا ترضاها ولا تملق

ومذهب سيبويه أن الجزم بحذف الحركة المقدرة ، وإنما تبعها حرف العلة في الحذف تفرقة بين المرفوع والمجزوم . واعترض عليه بأن الجازم يبين أنه مجزوم ، وعدمه يبين أنه غير مجزوم . وأجيب بأنه في بعض الصور يلبس فاطرد الحذف ، بيانه أنك إذا قلت : " زرني أعطيك " بثبوت الياء احتمل أن يكون " أعطيك " جزاء لزيارته ، وأن يكون خبرا مستأنفا ، فإذا قلت : " أعطك " [ ص: 553 ] بحذفها تعين أن يكون جزاء له ، فقد وقع اللبس بثبوت حرف العلة وفقد بحذفه ، فيقال : حرف العلة يحذف عند الجازم لا به . ومذهب ابن السراج أن الجازم أثر في نفس الحرف فحذفه ، وفيه البحث المتقدم .

الثاني : أنه مرفوع غير مجزوم ، و " من " موصولة والفعل صلتها ، فلذلك لم يحذف لامه . واعترض على هذا بأنه قد عطف عليه مجزوم وهو قوله " ويصبر " فإن قنبلا لم يقرأه إلا ساكن الراء .

وأجيب عن ذلك بأن التسكين لتوالي الحركات . وإن كان من كلمتين كقراءة أبي عمرو : ينصركم يأمركم . وأجيب أيضا بأنه جزم على التوهم ، يعني لما كانت " من " الموصولة تشبه " من " الشرطية . وهذه عبارة فيها غلط على القرآن فينبغي أن يقال : فيها مراعاة للشبه اللفظي ، ولا يقال للتوهم . وأجيب أيضا بأنه سكن للوقف ثم أجري الوصل مجرى الوقف . وأجيب أيضا بأنه إنما جزم حملا لـ " من " الموصولة على " من " الشرطية ؛ لأنها مثلها في المعنى ولذلك دخلت الفاء في خبرها .

قلت : وقد يقال على هذا : يجوز أن تكون " من " شرطية ، وإنما ثبتت الياء ، ولم تجزم " من " لشببها بـ " من " الموصولة ، ثم لم يعتبر هذا الشبه في قوله " ويصبر " فلذلك جزمه إلا أنه يبعد من جهة أن العامل لم يؤثر فيما بعده ، ويليه ويؤثر فيما هو بعيد منه . وقد تقدم الكلام على مثل هذه المسألة أول السورة في قوله يرتع ويلعب .

وقوله فإن الله لا يضيع الرابط بين جملة الشرط وبين جوابها : [ ص: 554 ] إما العموم في " المحسنين " ، وإما الضمير المحذوف ، أي : المحسنين منهم ، وإما لقيام أل مقامه والأصل : محسنيهم ، قامت أل مقام ذلك الضمير .

التالي السابق


الخدمات العلمية