صفحة جزء
[ ص: 8 ] آ. (2) قوله تعالى: بغير عمد : هذا الجار في محل نصب على الحال من "السماوات"، أي: رفعها خالية من عمد. ثم في هذا الكلام وجهان، أحدهما: انتفاء العمد والرؤية جميعا، أي: لا عمد فلا رؤية، يعني: لا عمد لها فلا ترى. وإليه ذهب الجمهور. والثاني: أن لها عمدا ولكن غير مرئية. وعن ابن عباس: "ما يدريك أنهما بعمد لا ترى؟"، وإليه ذهب مجاهد، وهذا قريب من قولهم: ما رأيت رجلا صالحا، ونحوه: لا يسألون الناس إلحافا [وقوله:].


2840 - على لاحب لا يهتدى بمناره ... ... ... ...

وقد تقدم. هذا إذا قلنا: إن "ترونها" صفة، أما إذا قلنا: إنها مستأنفة - كما سيأتي - فيتعين أن لا عمد لها البتة.

والعامة على فتح العين والميم وهو اسم جمع، وعبارة بعضهم: "إنه جمع"، نظر إلى المعنى دون الصناعة، وفي مفرده احتمالان، أحدهما: أنه عماد، ونظيره: إهاب وأهب. والثاني: أنه عمود كأديم وأدم وقضيم وقضم، كذا قال الشيخ: وقال أبو البقاء: "جمع عماد، [ ص: 9 ] أو عمود مثل: أديم وأدم، وأفيق وأفق، وإهاب وأهب، ولا خامس لها". قلت: فجعلوا فعولا كفعيل في ذلك، وفيه نظر; لأن الأوزان لها خصوصية فلا يلزم من جمع فعيل على كذا أن يجمع عليه فعول، فكان ينبغي أن ينظروه بأن فعولا جمع على فعل.

ثم قول أبي البقاء: "ولا خامس لها"، يعني أنه لم يجمع على فعل إلا هذه الخمسة: عماد، وعمود، وأديم، وأفيق، وإهاب، وهذا الحصر ممنوع لما ذكرت لك من نحو: قضيم وقضم. ويجمعان في القلة على "أعمدة".

وقرأ أبو حيوة ويحيى بن وثاب: "عمد" بضمتين، ومفرده يحتمل أن يكون عمادا كشهاب وشهب، وكتاب وكتب، وأن يكون عمودا كرسول ورسل، وقد قرئ في السبع: في عمد ممددة بالوجهين. وقال ابن عطية في عمد: "اسم جمع عمود، والباب في جمعه "عمد" بضم الحروف الثلاثة كرسول ورسل".

قال الشيخ: "وهذا وهم، وصوابه بضم الحرفين; لأن الثالث هو حرف الإعراب، فلا تعتبر ضمة في كيفية الجمع".

والعماد والعمود: ما يعمد به، أي: يسند، يقال: عمدت الحائط [ ص: 10 ] أعمده عمدا، أي: أدعمته فاعتمد الحائط على العماد. والعمد: الأساطين. قال النابغة:


2841 - وخيس الجن إني قد أذنت لهم     يبنون تدمر بالصفاح والعمد

والعمد: هو قصد الشيء والاستناد إليه، فهو ضد السهو، وعمود الصبح: ابتداء ضوئه تشبيها بعمود الحديد في الهيئة، والعمدة: ما يعتمد عليه من مال وغيره، والعميد: السيد الذي يعمده الناس، أي: يقصدونه.

قوله: ترونها في الضمير المنصوب وجهان، أحدهما: أنه عائد على "عمد" وهو أقرب مذكور، وحينئذ تكون الجملة في محل جر صفة لـ "عمد"، ويجيء فيه الاحتمالان المتقدمان: من كون العمد موجودة، لكنها لا ترى، أو غير موجودة البتة.

والثاني: أن الضمير عائد على "السماوات". ثم في هذه الجملة وجهان، أحدهما: أنها مستأنفة لا محل لها، أي: استشهد برؤيتهم لها كذلك، ولم يذكر الزمخشري غيره. والثاني: أنها في محل نصب على الحال من "السماوات"، وتكون حالا مقدرة; لأنها حين رفعها لم نكن مخلوقين، والتقدير: رفعها مرئية لكم.

وقرأ أبي: "ترونه" مراعاة للفظ "عمد" إذ هو اسم جمع. وهذه القراءة رجح بها الزمخشري كون الجملة صفة لـ "عمد".

[ ص: 11 ] وزعم بعضهم أن "ترونها" خبر لفظا، ومعناه الأمر، أي: روها وانظروا إليها لتعتبروا بها. وهو بعيد، ويتعين على هذا أن تكون مستأنفة; لأن الطلب لا يقع صفة ولا حالا.

و "ثم" في "ثم استوى" لمجرد العطف لا للترتيب; لأن الاستواء على العرش غير مرتب على رفع السماوات.

قوله: يدبر الأمر يفصل الآيات قرأ العامة هذين الحرفين بالياء من تحت جريا على ضمير اسم الله تعالى، وفيهما وجهان، أحدهما - وهو الظاهر -: أنهما مستأنفان للإخبار بذلك. والثاني: أن الأول حال من فاعل "سخر"، والثاني حال من فاعل "يدبر".

وقرأ النخعي وأبان بن تغلب: "ندبر الأمر، نفصل" بالنون فيهما، والحسن والأعمش: "نفصل" بالنون، "يدبر" بالياء. قال المهدوي: لم يختلف في "يدبر"، يعني أنه بالياء، وليس كما ذكر لما قدمته عن النخعي وأبان بن تغلب.

التالي السابق


الخدمات العلمية