صفحة جزء
[ ص: 72 ] آ. (9) قوله تعالى: قوم نوح : بدل أو عطف [بيان].

قوله: والذين من بعدهم يجوز أن يكون عطفا على الموصول الأول، على المبدل منه، وأن يكون مبتدأ، خبره: لا يعلمهم إلا الله ، و "جاءتهم" خبر آخر. وعلى ما تقدم يكون "لا يعلمهم" حالا من "الذين"، أو من الضمير في من بعدهم لوقوعه صلة، وهذا عنى أبو البقاء بقوله: حال من الضمير في من بعدهم ، ولا يريد به الضمير المجرور، لأن مذهبه منع الحال من المضاف إليه، وإن كان بعضهم جوزه في صور. وجوز أيضا هو والزمخشري أن تكون استئنافا.

وقال الزمخشري : والجملة من قوله: لا يعلمهم إلا الله اعتراض. ورد عليه الشيخ بأن الاعتراض إنما يكون بين جزأين أحدهما يطلب الآخر، ولذلك لما أعرب الزمخشري "والذين" مبتدأ و "لا يعلمهم" خبره، قال: "والجملة من المبتدأ والخبر اعتراض". واعترضه الشيخ أيضا بما تقدم. ويمكن أن يجاب عنه في الموضعين: بأن الزمخشري يمكن أن يعتقد أن "جاءتهم" حال مما تقدم، فيكون الاعتراض واقعا بين الحال وصاحبها، وهذا كلام صحيح.

قوله: فردوا أيديهم في أفواههم يجوز أن تكون الضمائر للكفار، [ ص: 73 ] أي: فرد الكفار أيديهم في أفواههم من الغيظ. و "في" على بابها من الظرفية، أو فردوا أيديهم على أفواههم ضحكا واستهزاء. فـ "في" بمعنى على، أو أشاروا بأيديهم إلى ألسنتهم وما نطقوا به من قولهم: إنا كفرنا، فهي بمعنى إلى. ويجوز أن يكون المرفوع للكفار والآخران للرسل، على أن يراد بالأيدي النعم، أي: ردوا نعم الرسل وهي نصائحهم في أفواه الرسل، لأنهم إذا كذبوها كأنهم رجعوا بها من حيث جاءت على سبيل المثل. [ويجوز أن يراد هذا المعنى، والمراد بالأيدي الجوارح]. ويجوز أن يكون الأولان للكفار، والأخير للرسل، أي: فرد الكفار أيديهم في أفواه الرسل، أي: أطبقوا أفواهكم، يشيرون إليهم بالسكوت، أو وضعوها على أفواههم يمنعونهم بذلك من الكلام.

وقيل: "في" هنا بمعنى الباء. قال الفراء: قد وجدنا من العرب من يجعل "في" موضع الباء. يقال: أدخلك بالجنة، وفي الجنة، وأنشد:


2869 - وأرغب فيها عن لقيط ورهطه ولكنني عن سنبس لست أرغب

أي: أرغب بها. وقال أبو عبيدة: هذا ضرب مثل، تقول العرب: "رد يده في فيه"، إذا أمسك عن الجواب، وقاله الأخفش أيضا. وقال [ ص: 74 ] القتيبي: "لم نسمع أحدا يقول: "رد يده في فيه" إذا ترك ما أمر به". ورد عليه، فإن من حفظ حجة على من لم يحفظ.

وقرأ طلحة: "تدعونا" بإدغام نون الرفع في نون الضمير، كما تدغم في نون الوقاية.

التالي السابق


الخدمات العلمية