صفحة جزء
آ. (5) قوله تعالى: والأنعام خلقها : العامة على النصب وفيه وجهان، أحدهما: نصب على الاشتغال، وهو أرجح من الرفع لتقدم جملة فعلية. والثاني: أنه نصب على عطفه على "الإنسان"، قاله [ ص: 191 ] الزمخشري وابن عطية، فيكون "خلقها" على هذا مؤكدا، وعلى الأول مفسرا. وقرئ في الشاذ "والأنعام" رفعا وهي مرجوحة.

قوله: لكم فيها دفء يجوز أن يتعلق "لكم" بـ "خلقها"، أي: لأجلكم ولمنافعكم، ويكون "فيها" خبرا مقدما، "ودفء" مبتدأ مؤخرا. ويجوز أن يكون "لكم" هو الخبر، و "فيها" متعلق بما تعلق به الخبر، أو يكون "فيها" حالا من "دفء" لأنه لو تأخر لكان صفة له، أو يكون "فيها" هو الخبر، و "لكم" متعلق بما تعلق به، أو يكون حالا من "دفء" قاله أبو البقاء. ورده الشيخ بأنه إذا كان العامل في الحال معنويا فلا يتقدم على الجملة بأسرها، لا يجوز: "قائما في الدار زيد" فإن تأخرت نحو: "زيد في الدار قائما" جاز بلا خلاف، أو توسطت فخلاف، أجازه الأخفش، ومنعه غيره.

قلت: ولقائل أن يقول: لما تقدم العامل فيها وهي معه جاز تقديمها عليه بحالها، إلا أن يقول: لا يلزم من تقديمها عليه وهو متأخر تقديمها عليه وهو متقدم، لزيادة القبح.

وقال أبو البقاء أيضا: "ويجوز أن يرتفع "دفء" بـ "لكم" أو بـ "فيها" والجملة كلها حال من الضمير المنصوب. قال الشيخ: [ ص: 192 ] ولا تسمى جملة; لأن التقدير: خلقها كائنا لكم فيها دفء، أو خلقها لكم كائنا فيها دفء. قلت: قد تقدم الخلاف في تقدير متعلق الجار إذا وقع حالا أو صفة أو خبرا: هل يقدر فعلا أو اسما؟ ولعل أبا البقاء نحا إلى الأول، فتسميته له جملة صحيح على هذا.

والدفء اسم لما يدفأ به، أي: يسخن، وجمعه أدفاء، ودفئ يومنا فهو دفيء، ودفئ الرجل يدفأ دفاءة ودفاء فهو دفآن، وهي دفأى، كسكران وسكرى. والمدفأة بالتخفيف والتشديد: الإبل الكثيرة الوبر والشحم. قيل: الدفء: نتاج الإبل وألبانها، وما ينتفع به منها.

وقرأ زيد بن علي "دف" بنقل حركة الهمزة إلى الفاء، والزهري كذلك، إلا أنه شدد الفاء، كأنه أجرى الوصل مجرى الوقف نحو قولهم: "هذا فرخ" بالتشديد وقفا. وقال صاحب "اللوامح": "ومنهم من يعوض من هذه الهمزة فيشدد الفاء، وهو أحد وجهي حمزة بن حبيب وقفا". قلت: التشديد وقفا لغة مستقلة، وإن لم يكن ثم حذف من الكلمة الموقوف عليها.

قوله: ومنها تأكلون : "من" هنا لابتداء الغاية، والتبعيض هنا ضعيف. قال الزمخشري : "فإن قلت: تقديم الظرف مؤذن بالاختصاص، وقد يؤكل من غيرها. قلت: الأكل منها هو الأصل الذي يعتمده الناس، وأما غيرها من البط والدجاج ونحوها من الصيد فكغير المعتد به".

التالي السابق


الخدمات العلمية