صفحة جزء
آ. (64) قوله تعالى: واستفزز : جملة أمرية عطفت على مثلها من قوله: "اذهب". و من استطعت يجوز فيه وجهان، أحدهما: أنها موصولة في محل نصب مفعولا للاستفزاز، أي: استفزز الذي استطعت استفزازه منهم. والثاني: أنها استفهامية منصوبة المحل ب "استطعت" قاله أبو البقاء، وليس بظاهر لأن "استفزز" يطلبه مفعولا به، فلا يقطع عنه، ولو جعلناه استفهاما لكان معلقا له، وليس هو بفعل قلبي فيعلق.

والاستفزاز: الاستخفاف، واستفزني فلان: استخفني حتى خدعني لما يريده. قال:


3079 - يطيع سفيه القوم إذ يستفزه ويعصي حليما شيبته الهزاهز

[ ص: 382 ] ومنه سمي ولد البقرة "فزأ". قال الشاعر:


3080 - كما استغاث بسيء فز غيطلة     خاف العيون ولم ينظر به الحشك

وأصل الفز: القطع، يقال: تفزز الثوب، أي: تقطع.

قوله: "وأجلب"، أي: اجمع عليهم الجموع من جندك، يقال: أجلب عليه وجلب، أي: جمع عليه الجموع. وقيل: أجلب عليه: توعده بشر. وقيل: أجلب عليه: أعان، وأجلب، أي: صاح صياحا شديدا، ومنه الجلبة، أي: الصياح.

قوله: "ورجلك" قرأ حفص بكسر الجيم، والباقون بسكونها، فقراءة حفص "رجل" فيها بمعنى رجل بالضم بمعنى راجل يقال: رجل يرجل إذا صار راجلا، فيكون مثل: حذر وحذر، وندس وندس، وهو مفرد أريد به الجمع. وقال ابن عطية: هي صفة، يقال: فلان يمشي رجلا إذا كان غير راكب، ومنه قول الشاعر:


3081 - ... ... ... ...     رجلا إلا بأصحابي

قلت: يشير إلى البيت المشهور وهو:


فما أقاتل عن ديني على فرسي     إلا كذا رجلا إلا بأصحابي

[ ص: 383 ] أراد: فارسا ولا راجلا.

وقال الزمخشري : "على أن فعلا بمعنى فاعل نحو: تعب وتاعب، ومعناه: وجمعك الرجل، وتضم جيمه أيضا فيكون مثل: حذر وحذر، وندس وندس، وأخوات لهما".

وأما قراءة الباقين فتحتمل أن تكون تخفيفا من "رجل" بكسر الجيم أو ضمها، والمشهور: أنه اسم جمع لراجل كركب وصحب في راكب وصاحب. والأخفش يجعل هذا النحو جمعا صريحا.

وقرأ عكرمة: "ورجالك" جمع رجل بمعنى راجل، أو جمع راجل كقائم وقيام. وقرئ: "ورجالك" بضم الراء وتشديد الجيم، وهو جمع راجل كضارب وضراب.

والباء في "بخيلك" يجوز أن تكون الحالية، أي: مصاحبا بخيلك، وأن تكون مزيدة كقوله:


3082 - ... ... ... ...     لا يقرأن بالسور

وقد تقدم في البقرة.

[ ص: 384 ] قوله: وما يعدهم الشيطان من باب الالتفات وإقامة الظاهر مقام المضمر; إذ لو جرى على سنن الكلام الأول لقال: وما تعدهم، بالتاء من فوق.

قوله: إلا غرورا فيه أوجه، أحدها: أنه نعت مصدر محذوف وهو نفسه مصدر، الأصل: إلا وعدا غرورا، فيجيء فيه ما في: "رجل عدل"، أي: إلا وعدا ذا غرور، أو على المبالغة أو على: وعدا غارا، ونسب الغرور إليه مجازا. الثاني: أنه مفعول من أجله، أي: ما يعدهم مما يعدهم من الأماني الكاذبة إلا لأجل الغرور. الثالث: أنه مفعول به على الاتساع، أي: ما يعدهم إلا الغرور نفسه.

التالي السابق


الخدمات العلمية