صفحة جزء
[ ص: 469 ] آ. (24) قوله تعالى: إلا أن يشاء الله : قال أبو البقاء: "في المستثنى منه ثلاثة أوجه، أحدها: هو من النهي. والمعنى: لا تقولن: أفعل غدا، إلا أن يؤذن لك في القول. الثاني: هو من "فاعل"، أي: لا تقولن إني فاعل غدا حتى تقرن به قول "إن شاء الله". والثالث: أنه منقطع. وموضع "أن يشاء الله" نصب على وجهين، أحدهما على الاستثناء، والتقدير: لا تقولن ذلك في وقت إلا وقت أن يشاء الله، أي: يأذن، فحذف الوقت وهو مراد. والثاني: هو حال والتقدير: لا تقولن أفعل غدا إلا قائلا: إن شاء الله، وحذف القول كثير، وجعل قوله: إلا أن يشاء في معنى: إن شاء، وهو مما حمل على المعنى. وقيل: التقدير: إلا بأن يشاء الله، أي: ملتبسا بقول: "إن شاء الله".

قلت: قد رد الزمخشري الوجه الثاني، فقال: "إلا أن يشاء" متعلق بالنهي لا بقوله: "إني فاعل" لأنه لو قال: إني فاعل كذا إلا أن يشاء الله كان معناه: إلا أن تعترض مشيئة الله دون فعله، وذلك مما لا مدخل فيه للنهي. قلت: يعني أن النهي عن مثل هذا المعنى لا يحسن.

ثم قال: "وتعلقه بالنهي من وجهين، أحدهما: ولا تقولن ذلك القول إلا أن يشاء الله أن تقوله بأن يأذن لك فيه. والثاني: ولا تقولنه إلا بأن يشاء الله أي: إلا بمشيئته، وهو في موضع الحال، أي: ملتبسا بمشيئة الله قائلا إن شاء الله. وفيه وجه ثالث: وهو أن يكون "إلا أن يشاء" في معنى كلمة تأبيد كأنه قيل: ولا تقولنه أبدا، ونحوه: وما يكون لنا أن نعود فيها إلا أن يشاء الله ربنا [ ص: 470 ] لأن عودهم في ملتهم مما لم يشأ الله.

وهذا الذي ذكره الزمخشري قد رده ابن عطية بعد أن حكاه عن الطبري وغيره ولم يوضح وجه الفساد.

وقال الشيخ: "وإلا أن يشاء الله استثناء لا يمكن حمله على ظاهره، لأنه يكون داخلا تحت القول فيكون من المقول، ولا ينهاه الله أن يقول: إني فاعل ذلك غدا إلا أن يشاء الله، لأنه كلام صحيح في نفسه لا يمكن أن ينهى عنه، فاحتيج في تأويل هذا الظاهر إلى تقدير. فقال ابن عطية: "في الكلام حذف يقتضيه الظاهر، ويحسنه الإيجاز، تقديره: إلا أن تقول: إلا أن يشاء الله، أو إلا أن تقول: إن شاء الله. والمعنى: إلا أن تذكر مشيئة الله، فليس "إلا أن يشاء الله" من القول الذي نهى عنه".

التالي السابق


الخدمات العلمية