صفحة جزء
آ. (29) قوله: وقل الحق : يجوز فيه ثلاثة أوجه، أحدها: أنه خبر لمبتدأ مضمر، أي: هذا، أي: القرآن، أو ما سمعتم الحق. الثاني: أنه فاعل بفعل مقدر دل عليه السياق، أي: جاء الحق، كما صرح به في موضع آخر، إلا أن الفعل لا يضمر إلا في مواضع تقدم التنبيه عليها، منها: أن [ ص: 477 ] يجاب به استفهام، أو يرد به نفي، أو يقع بعد فعل مبني للمفعول، لا يصلح إسناده لما بعده كقراءة: يسبح له فيها بالغدو كما سيأتي إن شاء الله تحقيقه في موضعه. الثالث: أنه مبتدأ وخبره الجار بعده.

وقرأ أبو السمال قعنب: "وقل الحق" بضم اللام حيث وقع، كأنه إتباع لحركة القاف. وقرأ أيضا بنصب "الحق". قال صاحب "اللوامح": "هو على صفة المصدر المقدر; لأن الفعل يدل على مصدره وإن لم يذكر، فتنصبه معرفة كما تنصبه نكرة، وتقديره: وقل القول الحق، وتعلق "من" بمضمر على ذلك. أي: جاء من ربكم". انتهى.

وقرأ الحسن والثقفي بكسر لامي الأمر في قوله: "فليؤمن"، و "فليكفر" وهو الأصل.

قوله: فمن شاء فليؤمن يجوز في "من" أن تكون شرطية، وهو الظاهر، وأن تكون موصولة، والفاء لشبهه بالشرط. وفاعل "شاء" الظاهر أنه ضمير يعود على "من". وقيل: ضمير يعود على الله، وبه فسر ابن عباس، والجمهور على خلافه.

[ ص: 478 ] قوله: أحاط بهم سرادقها في محل نصب صفة ل "نارا". والسرادق: قيل: ما أحاط بشيء كالمضرب والخباء. وقيل للحائط المشتمل على شيء: سرادق. قاله الهروي. وقيل: هو الحجرة تكون حول الفسطاط. وقيل: هو ما يمد على صحن الدار. وقيل: كل بيت من كرسف فهو سرادق، قال رؤبة:


3146 - يا حكم بن المنذر بن الجارود سرادق المجد عليك ممدود

ويقال: بيت مسردق. قال الشاعر:


3147 - هو المدخل النعمان بيتا سماؤه     صدور الفيول بعد بيت مسردق

وكان أبرويز ملك الفرس قد قتل النعمان بن المنذر تحت أرجل الفيلة. والفيول: جمع فيل. وقيل: السرادق: الدهليز. قال الفرزدق:


3148 - تمنيتهم حتى إذا ما لقيتهم     تركت لهم قبل الضراب السرادقا

والسرادق: فارسي معرب أصله: سرادة، قاله الجواليقي، وقال [ ص: 479 ] الراغب: "فارسي معرب، وليس في كلامهم اسم مفرد، ثالث حروفه ألف بعدها حرفان".

قوله: وإن يستغيثوا ، أي: يطلبوا العون. والياء عن واو، إذ الأصل: يستغوثوا، فقلبت الواو ياء لتصريف ذكر في الفاتحة عند قوله: نستعين ، وهذا الكلام من المشاكلة والتجانس، وإلا فأي إغاثة لهم في ذلك؟ أو من باب التهكم كقوله:


3149 - ... ... ... ...     فأعتبوا بالصيلم

[وكقوله]:


3150 - ... ... ... ...     تحية بينهم ضرب وجيع

وهو كثير.

و "كالمهل" صفة ل "ماء". والمهل: دردي الزيت، وقيل: ما أذيب من الجواهر كالنحاس والرصاص. والمهل بفتحتين: التؤدة والوقار. قال: فمهل الكافرين . [ ص: 480 ] قوله: يشوي الوجوه يجوز أن تكون الجملة صفة ثانية، أن تكون حالا من "ماء" لأنه تخصص بالوصف، ويجوز أن تكون حالا من الجار وهو الكاف.

والشي: الإنضاج بالنار من غير مرقة تكون مع ذلك الشيء المشوي.

قوله: بئس الشراب المخصوص محذوف تقديره: هو، أي: ذلك الماء المستغاث به.

قوله: وساءت مرتفقا "ساءت" هنا متصرفة على بابها. وفاعلها ضمير النار. ومرتفقا تمييز منقول من الفاعلية، أي: ساء وقبح مرتفقها. والمرتفق: المتكأ. وقيل: المنزل، وقيل: هو مصدر بمعنى الارتفاق، وهو من باب المقابلة أيضا كقوله في وصف الجنة بعد: وحسنت مرتفقا ، وإلا فأي ارتفاق في النار؟ قال الزمخشري : إلا أن يكون من قوله:


3151 - إني أرقت فبت الليل مرتفقا     كأن عيني فيها الصاب مذبوح

يعني من باب التهكم.

التالي السابق


الخدمات العلمية